مجلّة “فينُوس” (بيت الحكمة) تعد ملفا خاصا عن شخصية العدد الأوّل الأديب المقاوم عادل أوتنيل/ الجزء الأخير
فور تنمية: أسماء السلامي وعثمان السلماوي
جميل أن تكون الجراح معبرا نحو الشهرة والخلود. كان بإمكانه أن يختار الانزواء في مكان ما يجتر اَلامه ويلوك أحزانه في صمت. كان بإمكانه أن يعيش كالسواد الأعظم من الناس؛ مادام الجسد لا يقوى على الحركة فما بالك بالإبداع؟
لكنه لم يكن البتة راضيا بحياة الظل. وإنما كان ينظر بعيدا، فكان أن بعثت تلك الإرادة والعزيمة الحياة الحقيقية في جسده المنهك، وأبدع كنتيجة لذلك الإصرار المنقطع النظير نماذج قصصية، توفرت لها مقومات التميز.
أجاد عادل أوتنيل الانصات لنبض الواقع . وعبر إرهاف السمع لآهاته وتنهداته، عبر بالقارئ بين مقاطع سردية يطبعها التماسك والتناسق، دون أن يغيب عن كتاباته مقوم الصدق الذي يعطي لحكيه المصداقية، وكيف لا يكون ذلك، وكلماته آهات نابعة من القلب، لهذا فهي وتطرق باب القلب أيضا.
“أجالس البحر الهادر نرتشف معا قهوة الذكريات…”. مقدمة يفتتح بها العظيم عادل أوتنيل روايته الموسومة ب“اللصيلصون في قصر المتعة“. وهي تعبير عما يحرك لواعجه.
تجسد ”اللصيلصون في قصر المتعة“، صورة “مجتمع قذر”، يعيش وسط الظلم والأنانية والتمييز. يجمع عادل صور روايته من الواقع، فيحكي بذلك رواية واقعية منقطعة النظير، ليكون بذلك أحد رواد الرواية والقصة المغربية.
نكاد نكون علي الزواق أو حبيبة البحراوي أو النمر أو طوطو أو … أيا من شخوص الرواية . إنها رواية تقولنا جميعا.
تربى عادل في كنف أسرة فقيرة كانت المعاناة رفيقة دربها بسبب وضعه الصحيّ الصعب. رغم مرضه فقد ناضل، حتى قطف شهادة الدكتوراه في الأدب العربي في موضوع ؛ “صور الاغتراب في شعر الصعاليك “، وبهذا يكون أوتنيل قد حقق حلم والده، وأخذ رمزيا بثأره من الواقع الذي حرمه العديد من الأشياء.
“اللصيلصون في قصر المتعة“: رواية استطاع فيها عادل أوتنيل أن يصور واقعنا المرير الذي نعيشه، حيث البؤس والشقاء والانانية، وذلك ما يظهر من خلال قصة على الزواق الذي أخرجه والده من المدرسة رغم صغر سنه توفيرا لمستلزماتها. فأصبح بائع جافيل متجول، يجوب الشوارع بعربته الصغيرة، وما أتى به فمصيره أن ينقض عليه والده .
من بيع جافيل، ينتقل علي إلى النجارة رفقة العجوز، هذا الأخير الذي استغله ولقي مصيره من الذل على يد أصدقاء علي.
يأتي الموت على حين غرة ليتخطف أب علي: تلك الجثة الضخمة التي طالما أبرزت قوتها تصبح هامدة، ويتبعه انتحار فاطمة بسبب حملها من الباشا جهاد الرحموني الذي كانت تعمل في بيته خادمة، لكنه أغواها وأغراها بالمال فلقي حتفه .
هكذا تنتهي الرواية على حديث الصحف عن شيوع ظاهرة غريبة، مفادها تنظيم عملية سطو متتابعة من لدن فتية ملثمين تحت ستار الليل، وتوزيع الأموال على الفقراء و المساكين ممن عملوا عليها لكنهم ظلموا .
الدنيا غابة موحشة مليئة بالمصائد والفخاخ والضواري السفاحة وكل من زلت قدمه صارت حياته أشرعة للمأساة . اقتباس روعة ، غني عن التعليق فهو يعبر عن الواقع المرير الذي لا فرار منه . فالفخاخ والضواري السفاحة هنا هم كل الذين نهبوا أموال الفقراء ظلما واستباحوا كرامتهم .
يمارس عادل أوتنيل ”الصعلكة“ حتى في كتاباته. والصعاليك ، في رواية عادل لهم علاقة ب“اللصيلصون“ . كما كان الصعاليك القدامى يسرقون القوافل ويوزعونها على قبيلتهم بالتساوي، كذلك الأمر بالنسبة لِلُصيلصُون عادل أوتنيل .
آخر إصدارات عادل بعنوان “هديل الحجر“.
وهي مجموعة قصصية منقطعة النظير ، دلالة على عظمة قلم الصعلوك صاحبها . ينتقي عادل صور روايته وقصصه من الواقع المرير الذي لا فرار منه . نكاد نقول أن قصص عادل هي شخصية واحدة . يعطيها عادل لقب الصعلوك . فيصور لنا معاناة شخصياته في قالب سردي رائع . في بعض القصص يروي عادل عن شخص معاق ، لكن إعاقته زادته إصرارا على إصراره وعزيمة على عزيمته . فيجتهد من أجل نيل دكتوراه . نكاد نقول أنه عادل . لقد صور لنا شخصياته بكاميرا قاص وروائي محترف ، ووراء كل هذه القصص مغزى . ووراء كل مغزى معنى ولمحة تحيل على الواقع الذي نحياه .
وبهذه الطريقة استطاع أوتنيل أن يتخذ من الكتابة منفذا له على العالم، لكي يحكي تجربته الحياتية ومغامراته في قالب قصصي، يطغى عليه ”هديل الحجر“، فحتى الحجر له لغة، حين يكون إنسانا يصارع الزمن من أجل العيش، كما هو حال الصعلوك عادل أوتنيل، الذي عانى مؤخرا من السرطان، وككل معاركه، خرج من صراعه معه ظافرا منتصرا ليواصل رحلته في الكتابة والإبداع.