احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.
فور تنمية : مصطفى لغتيري
بينما كنت أعيد قراءة كتاب” ما العمل؟” للمرة الألف، كانت ابنتي، التي أضحت فتاة مولعة بالفن، ترسم بيتا على الشاطئ، تلحس أمواج لطيفة أقدامه، فيما تظلل بعض السحب البيضاء سماءه خفيفة الزرقة. وعلى جوانبه تشمخ أشجار سرو متفاوتة الطول. رن هاتفي فجأة، تناولته بين أصابعي، وفتحت الخط، بعد أن وضعت الكتاب جانبا، فجاءني صوت ابن عمي متقطعا:
– النجدة يا بن عمي. هناك لصوص يحيطون بالبيت، وقد يقتحمونه في أي لحظة. التفتت إلى بنيتي، وقلت لها:
– هناك أمر طارئ. يجب أن أغادر البيت حالا. سالتني ابنتي: -ماذا هناك يا أبي؟ بسرعة أجبتها: – بيت عمك في خطر، يجب أن ألحقه قبل فوات الأوان.
ارتسمت علامات الدهشة على جبين ابنتي، ثم قالت: – لكن إن ذهبت سأبقى بمفردي، وأنت تعرف أن هناك من يتربص ببيتنا. وقع كلامها على نفسي كالصاعقة، ذكرني بمحاولات سابقة للاعتداء على بيتنا، حتى ونحن فيه. فلولا يقظتنا لكنا الآن في موقف لا نحسد عليه. نظرت إليها نظرة حيرى، ثم سألتها:
— ما العمل يا بنيتي وعمك يلح على المساعدة؟ رمقتني بنظرة متوسلة ثم قالت:
– بيتنا أولى يا أبتي. قد تعود ولا تجد له أثرا. فلا نستطيع بعد ذلك أن نفيد أنفسنا أو نفيد عمنا. أسقط في يدي من هذا الكلام، وأنا أشعر بالعجز المقيت، موزعا كنت ما بين الرغبة في الدفاع عن بيت ابن عمي والواجب الذي يفرض علي الدفاع بيتي، حتى لا يصبح نهبا للصوص.
بعد لحظة صمت، زحفت متثاقلا نحو الهاتف، طلبت ابن عمي، انفتح الخط، فقلت له والحزن يعتصر قلبي: – أعتذر لك يا ابن عمي. فنفس اللصوص يتربصون ببيتي، ولا أستطيع مغادرته.