احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.
لفور تنمية: ” الحسين الفلاحي “
تعتبر رواية “قد ينبث الصخر زهرة ” الصادرة عن منشورات غالير الأدب – مطبعة وراقة بلال-فاس المغرب … أول عمل روائي في السجل الإبداعي للكاتبة “رشيدة وقجا ” والذي دأبت الكاتبة على جعله في فصلين ، الفصل الأول الموسوم ب “الرحيل” ثم الفصل الثاني الموسوم ب “الحلم “. – قراءة العنوان : إن أول ما يستوقف القارئ لأي عمل أدبي هو العنوان بإعتباره النافذة الأولى لإطلاع على شظايا المضمون ،حيث جاء مكونا في الرواية من أربع كلمات “قد- ينبث- الصخر -زهرة” حيث جعلته الكاتبة جملة فعلية مكونة من فعل وفاعل ومفعولا به للدلالة على التحول والحركة ، إذ تحيل الكلمة الأولى “قد ” أثناء دخولها على الفعل المضارع “إلى تحقيق فعل معين ثارة وإلى التقليل أو التكثير ثارة أخرى ،من هنا نطرح سؤال ؛ كيف للصخر أن ينبث زهرة؟ومامدى إمكانية هذا الفعل ؟وهل هو حقيقة أم مجازا؟ ذلك ماستكشف عنه تضاعيف الرواية ، فافي العنوان إيحاءات للذات المعبرة عن الصبر والصمود ، أما عن زمنه فإنه ممزوج بين الماضي والحاضر ومايدل عليه من وقوع ثابث لفعل متحرك “الإنباث” يتفاعل ويتجاذب مع المفعول “الزهرة”.
إن المتأمل في عالم الرواية “قد ينبث الصخر زهرة” يجدها عبارة عن سيرة ذاتية تتمظهر من خلال محكيات موزعة بين الشخصية الرئيسية “شامة” وبين باقي الشخوص ، إذ تتمحور أحداث الرواية حول الطفلة شامة، تلك الطفلة اليافعة التي كان الرحيل عنوان حياتها منذ نعومة أظافرها ،هذا الرحيل الذي سيشكل منبعا سرديا في الرواية تنبثق عنه كل المجاري الحكائية ،والتي جعلت منه الكاتبة تاريخا قابلا للمعاينة والتحديد وذلك من خلال تشخيص مفصل ودقيق للتحولات والحالات التي مرت منها “شامة” ،هي بمثابة عنوان لهذا الجبل القاسي -جبل الرواية من خلال سعيها للإمساك بالأمل في الحياة.
إن العملية السردية في الرواية لا تفكر موضوع الرحيل من خلال محكيات تعرض تفاصيل الحياة محتفية بالهويات الذاتية والإجتماعية للشخوص فقط ، بل إنها تعمد بين الفينة والأخرى بدعم ما تسوقه من مضامين بوقائع تاريخية مستمدة من مدونات عبارة عن محكيات (حكاية التاجر جعفر ص 14) هذه الحكاية التي تحمل بعدا تاريخيا في الرواية لما تحمله من وقائع تاريخية خلال مطلع القرن التاسع عشر بين قبائل الأطلس ( أيت بوكماز -أيت بووالي- أيت تيوتلين ….الخ) وبالتالي فإن هوية الجبل حاضرة ، والحالة هاته تتشكل خضم المزج بين الحقيقة كما يعرضها التاريخ المفهومي ،وبين الخيال كما تشخصه محكيات الرواية ، حيث تروم إضاءة التفاصيل والجزئيات المهملة من أضواء التاريخ المفهومي ومحاولة الإمساك بالخبايا الممتدة في أعماق الذات المشخصة للأحداث. ثم إن البعد الإجتماعي حاضر وبقوة في الرواية ، وذلك من خلال موضوع “الرحيل ” هذا المفهوم الذي سيشكل موضوعا بارزا في أحداث الرواية، حيث يتخذ الرحيل بعدا إجتماعيا ونفسيا من خلال رحلات متثالية في الرواية أولها رحلة شامة الأولى مع أهلها (السيد أحمد وعقيلته ) من البادية إلى المدينة “ص10” هذه الرحلة التي بعثت الحزن لأول مرة في قلب “الطفلة شامة ” لكونها لا تطيق أن تبتعد عن قريتها، وتنسى أصدقاءها على حد تعبير الكاتبة ، بعدها تتوالى الرحلات الممزوجة بالحزن والألم لعل أمرها عودا وأصلبها مكسرا تلك الرحلة الأبدية التي تركت الحزن والكأبة في أسرة شامة وهي رحلة أخوها “وليد “إلى دار البقاء (ص 42- 43) وهي رحلة جعلت من الأسرة ذكرى بلا عنوان .
وفي مقابل أسلوب الوصف الذي وظفته الكاتبة بقوة من خلال وصف الأحداث والشخوص والأماكن ، توظف الرواية أسلوب “التحقين السردي” حيث تتكاثف الأحداث ويرتفع إيقاع السرد كما حدث وقت إستعداد الأسرة للسفر ، وفي أثناء إستحضار الأب لحكاية التاجر جعفر ، وأثناء وصول الأسرة إلى المدينة ، أو عندما تحكي شامة لصديقتها حسناء مجرى حياتها …الخ وغيرها من الأحداث التي إرتج فضاء الرواية تحت وقائعها ، حيث تكسر الساردة سطوتها ورهبتها الفنية مستعملة معجمها الذي يمكنها من حكي القصة الأصلية ( حياة شامة) حيث عمد السارد أو الساردة حين تقترب الأحداث فيها من الإنفجار إلى مغادرة غابتها السردية ،للولوج بالقارئ إلى فسحات جمالية تقطف ثارة من الشعر لا سيما في الفصل الثاني (إستحضار أبيات من شعر أبو العتاهية ص 76) وأحيانا أخرى عبر الإرتكان لأسلوب الوصف الدقيق للحالات والأشياء ، وتختار الساردة في مواقع أخرى النزول إلى أعماق البشرية أسلوبا للتهدئة وهو ما تحقق في الرواية خلال الفصل الثاني حيث دأبت إلى تغيير نمط الحكي ووظفت أسلوبا مغايرا مزجت فيه بين الواقع والخيال بين الماضي والحاضر تحت وطأة موضوع مغاير “كابوس مستر كرونا ” وشخصيات أجنبية إستهوت على الشخصية الرئيسة شامة من قبيل( مستر جاك – جيمس- روبي- …الخ) ،إن التحولات الإستدلالية في الرواية جاءت لتحقيق مايسمى بالتهدئة السردية ، وهو أسلوب سردي وظفته الرواية بذكاء لافت جعل مستر كرونا في النص مندرجة بسلاسل ضمن محكي كبير عنوانه “حلم أو كابوس ” كما يرسخه المجاز عبر محكيات الشخوص ف الرواية ، وهو مايشكل في النهاية معركة تجمع بين مستر كرونا كا موضوع واقعي وبين كابوس رأته شامة ذات ليلة فاستيقض العالم على وقعه. وأخيرا رواية “قد ينبت الصخر زهرة ” تعتبر أنموذجا أدبي في الإنتقال من لغة المفاهيم إلى لغة التخييل والتشخيص ، إنها تحقق إبداعي سيمنح للقارئ لا محالة صورة واضحة للكاتب كامصور جديد وبارع في لغة السرد كالغة مطلوبة للتشييد الهوية في فن الكتابة .