OCP

المغرب زمان الرحالات الفرنسيات الرحامنة نموذج من خلال كتاب: « … على طول امتداد المسالك المُغربية الجزء الثالث.

0

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

فور تنمية: محمد بوخار

22مارس 1910: دخول أرض الرحامنة

على الساعة السابعة والنصف صباحا كانت السماء تبدو صافية الأديم، وكنا نحس أن اليوم سيكون حارا كسابقه. غادرنا المخيم وعبرنا النهر، ومشينا صعودا في أرض رطبة محمرة إلى أن بلغ بنا المسير محاذاة “مولاي المجيب” وهو دوار أغلبية سكانه من أصول جزائرية. كنا قد تركنا الشاوية وراءنا وانفتح أمامنا فضاء من التضاريس المختلفة، تهيمن عليه كثير من التلال والأودية والهضاب، وانتابنا مزيج من الشعور بالفرح والرهبة أمام هذا الفضاء المجهول الذي ينفتح أمامنا، بحيث لم يكن يخفف من هذه المشاعر المختلطة إلا صورة هذا العجوز الوقور ذي اللحية البيضاء والذي لا زال يسير في أثر ركبنا دون كلل أو عياء، فكأنما بمثابرته وأناته منحنا القدرة على الصبر والمجاهدة.

دخلنا صخور الرحامنة وكان أول دوار نصادفه عن يميننا هو دوار أولاد بن علي« أولاد يعلى ». جرى الأطفال والنساء نحونا ليشاهدوا ” النصارى” حسب تعبيرهم يمرون بمحاذاة دوارهم. عند الساعة الحادية عشرة والنصف صادفنا في طريقنا ثلاثة أكوام من الحجر أو ما يسميه أهل البلد “كركور” وهم يضعونها عند المكان الذي يجب الولوج منه في المناطق الجبلية أو الوعرة خوفا من أن يتيه المسافرون الغرباء بين الشعاب والوديان . بعد تجاوز معبر صغير أصبح بإمكاننا أن نطل على سوق الأربعاء. على اليسار تبرز الصخور ناتئة مهيبة مكسوة بزرقة خفيفة تمتد طولا من الشمال إلى الجنوب، وتنوء بكلكلها على سهل صغير تبرز فيه ثلاث قباب بيضاء تحفها نخلتان. توقفنا من أجل تناول وجبة الغذاء على الساعة الثانية عشرة والربع زوالا قرب بئر. وكان الفضوليون من أهل البلد يحاولون الاقتراب منا شيئا فشيئا للتطلع إلى سحناتنا وألبستنا ومتاعنا. بعض النسوة كن منهمكات في جلب الماء من قاع بئر، وكن يستعملن لذلك دلاء من جلد الماعز.أما الأطفال فقد جلسوا القرفصاء حولنا دون أن يقتربوا منا كثيرا. كانوا يتحدثون بينهم بهمس وبعضهم كانوا يتنازعون علبة سردين فارغة. لم يطل بنا المقام كثيرا، وغادرنا المكان على الساعة الواحدة وعشر دقائق، نشق طريقنا عبر ساحة السوق وسط اندهاش أهل البلد، و صياح البعض منهم في وجوهنا. لم نكترث لذلك وتابعنا رحلتنا وسط حقول ضعيفة من الشعير التي ألهبتها حرارة الشمس طوال أيام عديدة من قساوة الجو وجفاف المناخ، إلى أن وجدنا في طريقنا قبة ضريح ولي. عندها أوقف صديقنا العجوز الذي ظل مرافقا لرحلتنا حماره، وجعل الضريح في قبلته ثم بدأ في التوسل والدعاء مطأطئا رأسه في خشوع، باسطا كفيه عند مستوى سرته في ضروع، يشكر ربه على تمكنه من الرجوع إلى بلده سالما رغم الرصاصات السبع التي أصابت جسده . وبينما نحن كذلك، إذ بفارس على صهوة جواده يندفع نحونا بتهور وهو يشيل بندقيته نحو السماء ويسألنا: هل وصل الفرنسيون؟ فارس آخر حيانا وتوجه نحو الشيخ يقبل طيلسانه ثم أقبل طفل يجري، وبدأ يقبل يدي جده فضمه هذا الأخير إليه وشرع يقبله على جبينه في شوق واشتياق…

يتبع…

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.