خولَة مارْك عُضو هيئة تحرير مجلّة “فينُوس” (بيت الحكمة) تَكتُب: هذه “أنَا” كمَا “أنَا”…
فور تنمية
منذ صغري، و منذ أن بدأت أتكلم، كان لدي متلازمة تسمى ”التأتأة في الكلام“. هي ليست بالأمر العادي: هي كمن يضع يده على فمك بالعنف، وأنت تحاول النطق بأي طريقة كانت…
كان الأمر في البداية صعبا للغاية، نظرا لأنني كنت صغيرة السن، عديمة التأقلم مع الوضع، أحارب نفسي في كل مرة توجب علي الحديث فيها…. كنت أود لو كان الكل يتقبل وضع حديثي المتأخر والمتلعثم. كان معظمهم يسخر مني، وكأن الأمر يستحق السخرية حقا. كانوا يلقبونني دوما بألقاب جارحة، جعلت مني طفلة محبة للعزلة، قليلة الكلام، نافرة من كل شيء يتعلق بالحديث…
مع مرور الوقت ها أنا ذا قد غيرت من نفسي تقبلتُني…صالحتُني.. و وثقْت بي. لم يعد الأمر يشكل عائقا بالنسبة لي… اتخذت منه حافزا، لتحقيق أحلامي و إبراز شخصيي و قوتي. أتكلم أمام أي كان، من غير أن أعير أي اهتمام لردة فعل الآخرين اتجاهي..
لم أعد أكثرت لسخرية أحدهم مني.. حتي أني أضحك معهم أحيانا.. اتخذت المتلازمة بمثابة ميزة لي، شيء أملكه لوحدي ويميزني عن غيري…كانت بالفعل أفضل ما أقوم به، حين أتحدث وأنا متصالحة مع ذاتي. شجعني أساتذتي دوما وكانوا يمنحوني فرصة التحدث و التعبير، مع إعطاء كل الوقت لي دون انزعاج مني. هذا ما زاد من ثقتي وقوتي. و لعلي جد ممتنة لهم كثيرا.
ذات يوم بمؤسستي، أعلن عن عرض فيلم معنون ب “hichki” . جئت كغيري للاستمتاع بمشاهدته، وقد أعجبت كثيرا به لأن بعض أحداثه، تنطبق علي شيئا ما.
تحكي قصة الفيلم عن أستاذة، عانت من متلازمة شبيهة بمتلازمتي، حيث شكلت لها عدة مشاكل مع محيطها و عائلتها حتى؛ إذ أن الكل كان ينتقدها، ويقلل من قدراتها، إلا أن الجميل في الأمر، هو تحدي الأستاذة لنفسها و للجميع أيضا، حيث استطاعت التعايش مع حالتها، بكل فرح وعزيمة لتحقيق حلمها “التدريس”، مما زاد من سعادتي وفرحي لأكون مثلها ناجحة في حياتي. لقد رفضت هذه المُدرسة من طرف 12 مؤسسة، بسبب ما تعانيه. و حالفها الحظ في محاولتها الأخيرة للعمل كأستاذة. و لكنها كلفت بتدريس أسوء قسم، و مع ذلك قبلت التحدي وحاولت أن تبذل كل ما في وسعها لتحسين مستوى التلاميذ وإثبات جدارتها، أمام أعضاء الإدارة وأمام أسرتها أيضا .
لطالما تعرضتْ للاستهزاء والرفض من طرف الاخرين ك _أنا_ لكن كل هذا ما أثر فيها سلبا، بل أثر فيها إيجابا ودفعها لخوض التحدي، لتجعل من نفسها أفضل أستاذة على صعيد المؤسسة .
علمت هذه الأستاذة الجميع، أن الانسان، لا يقاس بعيوبه بل بعقله. علمتهم أدب التعامل، وحسن الإصغاء، وعدم التسرع في الحكم، على أي كان. فلا الشخص يختار نفسه، ولا هو يختار طبيعته حتى نتخذ منه موقفا . كل منا ذا عيب إما باطن أو ظاهر، وما علينا، إلا أن نبحث في أنفسنا لنتصالح معها ونعيش رفقتها في سلام و محبة دائمة …