التلميذة سارَة الزّيتُوني تكتب …تأمّل في “الخوف”
فور تنمية
يعد الخوف من أقوى المشاعر البشرية. هو سارق الأحلام ومصدر أساسي لتغذية الخرافات و الأوهام. كل منا يتعامل معه بطريقته الخاصة. وبتأملنا في فيلم “GET OUT (فيلم كارتوني مقتطع) لاحظت أنه يمكن النظر إلى خوف بطل الفيلم ”جاري“ من زاويتين: فمن الزاوية الأولى أظن أن خوفه هو خوف من المجهول، فكما قال عبد الله القصيمي ” الخوف و ليد الجهل فان من يجهل الشيء يخافه “، هذا الأخير هو مرض يأكل المنطق. و مناخه هو الجهل. إنه أعظم مأوى لجراثيم الظلال والوهم. لذا ف”جاري” اختلق ذلك العالم الذي وجد فيه كل راحته النفسية و عاش في تلك القوقعة التي نسجها بيده، وفق مبدإ “من خاف سلم”. وقد تشبث بمخاوفه ليحتفظ بأقصى درجات الأمان، وهو لا يعلم أن العالم، الذي يخشى الخروج اليه، يحمل مفتاح الكنز الذي يسعى إليه. فما هو هذا الكنز يا ترى؟
هو كل تلك التخيلات والأوهام التي تراوده داخل غرفته: من أغصان تتعانق، وأزهار تتمايل، وغيرها من تخيلاته التي خلقها بنفسه، والذي ليس مفتاح تحقيقها، إلا ما يوجد على الجانب الآخر من الخوف.
لاحظت أيضا أن جاري، كان يبحث بلهفة عن مصدر سعادته، لكن هذا البحث يعتبر شقاء للنفس، والسبيل الوحيد للتخلص من الشقاء هو تنمية القدرة على التفكير، كما يقول سعيد ناشيد في كتاب: “الطمأنينة الفلسفية”، ولكي ينمي هذه القدرة يجب عليه أن يشك، لكن جاري أزاح عنه مفهوم الشك ليستقبل اليقين بأحضان دافئة، ثم تحول هذا اليقين الى مألوف، تنمو أشواكه وتتعمق في قلبه، حتى أصبح كل شيء مخالفا لأفكاره خطأ وإن كان صوابا.
إذا ف”جاري” يمثل لنا تلك الشخصية التي تتصرف بدافع الخوف فتظل خائفة دائما مترددة وغير قادرة على أخذ المبادرة.
إذا لم يقتل “جاري” خوفه قتله هو. لذا، كخلاصة يمكن أن نقول إن الانسان عندما يمتلك الأمل يصبح كل شيء ممكنا، وأن الخوف لا مفر منه، لكن حتى وإن يتوجب علي تقبله، فلا يمكنني السماح له بأن يشلني ويقطع عني القدرة على المبادرة والفعل.
هذه هي الزاوية الأولى في تأملي لهذا الفيلم، أما الزاوية الثانية، فإني أزعم فيها أن “جاري”، يخاف من الفشل، وخوفه هذا يترصد كل رغبة ليخنقهما قبل أن تولد. لذا يجب عليه أن يتذكر تلك الأحلام،
ويكافح من أجلها، وأن يعرف ما يريده من هذه الحياة. شيء واحد سيجعل كل أحلامه مستحيلة هو الخوف من الفشل.
لذا، أختم تأملاتي بالقول إن الفضول المعرفي، يقهر الخوف أكثر من الشجاعة، فلنعتني بفضولنا لأنه سيعلمنا الجرأة والشجاعة أيضا.
إن الخوف من الفشل، ومن المجهول، ومن الموت، ومن العذاب، ومن المستقبل، ومن الحب، يوقعنا في الأسوأ، وهو أن لا نعيش أصلا.
إذا كنت تريد أن تتغلب على الخوف، لا تجلس مكتوف اليدين، تفكر في ذلك، بل اخرج وواجهه، نعم واجه خوفك حتى يخاف منك هو أيضا. هناك من يقول إن الشجاعة هي غياب الخوف، لكن الأصح هو أن الشجاعة هي الانتصار على الخوف، وإتقان التعامل معه كما تقول إحدى الحكم اللاتينية: “تتضاعف الشجاعة بالجرأة ويزداد الخوف بالتردد”، وإني لأقول إن الانتصار على الخوف هو بداية الحكمة. لنكن حكماء، لنخف خوفنا …