احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.
فور تنمية.
ضمن سلسلة حوارات تقترحها جريدة فور تنمية على زوارها مع مفكرين ومثقفين وسياسيين وأدباء ومن أجل فهم أكثر وأعمق للتغيرات التي عرفتها المجتمعات بعد تفشي جائحة كورونا .
نستضيف في الحلقة الـ 24 من حواراتنا الأمين العام لحزب الحب العالمي عبد الكريم سفير الذي يرى أن أزمة العالم والأخلاق الكونية لا تعود إلى نقص في الموارد الطبيعية أو الخيرات والكفاءات والذكاء البشري أو التكنولوجي وإنما تعود بالأساس إلى قيم الانانية والعنصرية البشرية.
– إن انبثاق فكرة الحب السياسي حدث فلسفي وسياسي بامتياز ويدين فيه العالم بأسره للمغرب بعبقرية النبوغ المغربي. فهذه الفكرة لم يسبق لها أي تنظير فلسفي أو سياسي قبل المغاربة، كما ان ربطها بالإيكلوجيا هو قيمة مضافة لكل الأحزاب والحركات الإيكولوجية الخضراء في العالم بأسره بشهادة الجميع. وقد استهجن الجميع في البداية فكرة حزب سياسي يتخذ من الحب الايكولوجي مرجعيته الفلسفية والسياسية، على اعتبار أن الحب قيمة عاطفية شخصية لا دخل لها بالسياسة، لكن بعد أن قدمنا مشروع فلسفة حزب الحب العالمي بمراكش يوم 20 أكتوبر 2019 صمت الجميع ولم نسمع أي صوت ينتقد أو يستهجن مبادرتنا لما وجدوه فيها من جدة وأصالة واجتهاد.
صحيح أن الفلاسفة قد تحدثوا طويلا عن الحب كقيمة إنسانية وهناك من اعتبره فضيلة الفضائل الإنسانية، كما أنه صحيح أنهم ربطوه بالفضيلة الفردية، وهناك من أشار إلى نقيضه وهو الحزن والكراهية والحقد كوسيلة للسيطرة على المواطنين، لكن لم يتجرأ أحد على رفع الحب إلى مستوى القيمة السياسية والفضيلة الجماعية المحررة للأفراد والجماعات من سطوة الاستبداد الأبوي والسياسي واللاهوتي. ولعل القيمة الفلسفية الجديدة التي قدمها مشروع حزب الحب العالمي هي تحويل الحب من قيمة فردية سيكولوجية وعاطفية إلى قيمة جماعية وكونية من شأنها أن تقدم البديل الأخلاقي والسياسي لممارسة سياسية جديدة تقوم على حب الإنسان والطبيعة/البيئة بدل كل السياسات التي تقوم على السيطرة والتملك والإقصاء وادعاء امتلاك الحقيقة. فقد ورث العالم ممارسات سياسية سلبية ترى في كل مختلف فرصة للإقصاء، في حين أننا نرى في كل مختلف فرصة للحوار والتكامل باعتبارنا جميعا أبناء الأرض ليس فقط كبشر بل أيضا ككائنات لها نفس الحقوق التي للبشر، وبدونها يستحيل العيش في بيئة طبيعية سليمة وقادرة على ضمان حياة الأجيال والكائنات القادمة، وهذا أيضا هو مفهومنا الجديد للتنمية المستدامة التي اقتصر فيها الفهم السياسي والتنموي على الاهتمام بالأجيال القادمة من البشرية دون أدنى اهتمام بالكائنات الأخرى التي تتقاسمنا البيئة والحقوق فوق هذا الكوكب الأرضي.
– لقد قلنا مرارا أن أزمة العالم والأخلاق الكونية لا تعود إلى نقص في الموارد الطبيعية أو الخيرات والكفاءات والذكاء البشري أو التكنولوجي وإنما تعود بالأساس إلى قيم الانانية والعنصرية البشرية. فقد أنتجت الأرض منذ الثورة الصناعية وما تلاها من الخيرات ما صار يشكل فائضا من الثروة الكوكبية، ومع ذلك ورغم كل الشعارات الغربية البراقة من حقوق الإنسان والديمقراطية فقد عاش وعرف العالم ويلات عديدة من العبودية والاستعمار والاستغلال والحروب العالمية الأولى والثانية والباردة والساخنة والفقر والمجاعات والأوبئة ما يشيب له الولدان. وهذه مفارقة خطيرة لا يريد الغرب الامبريالي أن يلتفت إليها. فأمام تنامي الثروات وبحبحة العيش هناك يتزايد الفقر والهجرات الشرعية والسرية هنا. مع العلم أن الغرب أيضا ليس كله سعيدا فنحن نعرف أن الفقر والهشاشة تضرب الغرب كما تضرب باقي الكوكب الأرضي. والسؤال ألا تكفي الثروات الكوكبية ليعيش مواطنو هذا الكوكب بسلام ورفاهية؟ الجواب البديهي هو نعم. لكن لماذا لا نعيش كلنا في امن وسلام وسعادة؟ فبقدر بساطة تكون بساطة الجواب. فقط لأننا لا نحب بعضنا البعض. لا أتحدث هنا عن الشعوب بل عن قادة الشعوب وسياسييها. قد يبدو خطابنا مبالغا في التفاؤل والتبشير بالجنة فوق الأرض، والحق يقال إن الجنة هنا قبل أي مكان آخر قد تختلف عليه الديانات والمعتقدات. فما الذي يمنعنا من تحقيق جنة الأرض قبل السماء؟ بكل بساطة غياب الحب وطغيان الانانية وحب الاستعباد والتملك للخيرات والبشر والكائنات. فهل نحتاج إلى تربية وأخلاق جديدة جديرة بالكائن المتحضر الذي ندعيه؟ نعم. لكن كيف يمكن أن يتأتى هذا لكوكب مثخن بجروح نرجسية لا حصر لها؟ نحن على يقين بأن هذه الجروح النرجسية المتأصلة في الكينونة البشرية والتي تغديها الأحقاد السيكولوجية لا يمكنها أن تندثر بين عشية وضحاها، ولكننا نؤمن بأن من واجبنا الأخلاقي أن نضع اللبنات الأولى لتجاوزها ولعل مشروع فكرة الحب العالمي أو الكوني أي الحب الإيكولوجي Green Love هو الخطوة الأولى في مسيرة الالف ميل. فنحن نعتقد أن الكوكب الأرضي بحاجة إلى إعادة تربية على قيم جديدة هي قيم الحب والتعاون والتضامن الكوني بحيث ينظر كل فرد من المجتمع الكوني إلى الآخرين باعتبارهم إخوة ارضيين له لا فرق بينه وبينهم بالرغم من اختلاف أوطانهم وألوانهم وأعراقهم ولغاتهم ودياناتهم وإيديولوجياتهم. كما أننا نعتقد بأن هذه المهمة لن يقوم بها ساسة اليوم الغارقون في التيه الامبريالي، بل هي مهمة المجتمع المدني الكوني الذي له مصلحة في العيش المشرك بعيدا عن كل الإستقطابات المفرقة للإنسانية الإيكولوجية.
– لقد اتضح للجميع فيما يخص علاقة الفرد والمجتمع والدولة بجائحة كورونا خاصة في المغرب نوع من العودة إلى قيم التامغرابيت المتأصلة في كل النسيج المجتمعي أفرادا ودولة. فقد بادرت الدولة في شخص رئيسها إلى تبني سياسة إنسانية واجتماعية ضد كل نزعة اقتصادية ضيقة كما فأجتنا كبرى الدول الغربية المتشدقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان. فبالإضافة للإجراءات الحازمة التي اتخذتها الدولة فقد بادر المجتمع المدني والمحسنين إلى تقديم المساعدات الاجتماعية للمحتاجين وخففوا من العبء الاجتماعي والاقتصادي للدولة، كما أبان المواطنون عن حس مواطن عال في الاستجابة للإجراءات المتخذة للتصدي للجائحة. ولا يفوتنا التنويه بجميع المبادرات المواطنة للأفراد والمقاولات التي أخذت على عاتقها المساهمة بما أوتيت من جهد وأبانت عن قدرة المواطن والمقاولة المغربية في توفير ما لم تستطع دول كنا نعتبرها رائدة في تقديمه لمواطنيها. وهذا إن دل عل شيء فإنما يدل على الطاقات الهائلة للشباب والمقاولات الوطنية وقرتها على رفع التحديات الاقتصادية والاجتماعية، كما يدل على أن الدولة صار من واجبها من الآن فصاعدا تحرير قوى الشباب والمقاولات الوطنية في رفع التحدي والمساهمة في تطوير البلاد بعيدا عن الوصاية الأجنبية التي ظلت تصورنا كمجتمعات عاجزة لدرجة أننا صدقنا ادعاءاتها وفقدتنا الثقف في أنفسنا. ولعل هذا واحد من الدروس المستفادة لنا جميعا كأفراد ومجتمع ودولة لمواجهة القادم من التحديات التنموية والاقتصادية والاجتماعية. بقي أن أشير إلى ارتفاع منسوب الوعي الفردي والمجتمعي بالثقافة العلمية وتراجع ثقافة الخرافة واكتساح الفكر التنويري للساحة الإعلامية ومنصات التواصل الاجتماعي التي ارتفع الطلب الاجتماعي عليها بشكل لافت للنظر. ولعل في هذا رسالة اجتماعية واضحة للدولة للأخذ بعين الاعتبار مسألة إصلاح التعليم والثقافة بشكل جذري.
ما الذِي اسْتوقَفَك كثيراً أستاذ سفِير فِي شكل تعاطي المغرب مع الجائحَة؟ كيْف ترَى مغرب “ما بعْد كورونَا”؟
– شخصيا لست من الذين يبشرون كثيرا بمغرب ما بعد كورونا، لكن مع ذلك فمياه كثيرة جرت تحت الجسر. اعتقد أن الدولة قد استخلصت دروسا كثيرة وخاصة عجز الأحزاب السياسية عن المبادرة والتأطير والمساهمة الاجتماعية في التصدي للجائحة. كما وقفت بالملموس على الدور الكبير الذي لعبه المجتمع المدني والمحسنين في التخفيف من الآثار الاجتماعية والاقتصادية للجائحة. وأتمنى أن لا تكون للدولة ذاكرة ضعيفة مثلما كان الحال مع حراك 20 فبراير وحراك الريف، وأن تستفيد من الدروس التاريخية التي يقدمها الافراد وهيئات المجتمع المدني وأن تضع استراتيجيات تشاركية للإسهام في النهضة الثقافية والاجتماعية والمدنية والاقتصادية للبلاد، وأن لا تعتبر نفسها اللاعب الوحيد في الميدان السياسي فهناك تحولات عميقة تعتمل اليوم في المجتمع وتلعب فيها وسائط التواصل الاجتماعي الدور الكبير.