احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.
لفور تنمية :عثمَان السلماوي: وزير القراءة بنادي بيت الحكمة بابن جرير
ليس الحجر الصحي فترة للخمول في المنزل والنوم الذي لا طائل منه، بل هو فرصة الإنسان لمراجعة نفسه، وهو أيضا مناسبة لخوض الإنسان معركة شرسة مع عقله، كما سبق أن أكد ستيفان زفايغ في رواية لاعب الشطرنج. الحجر هو حجر الجسد فقط، أما العقل فيخترع لنفسه أجنحة خاصة يطير بها خارج المكان والزمان. ولعل القراءة جناح من هذه الأجنحة. بها نستطيع السفر لأي مكان ولقاء أي شخص دون متاعب جهاز أو جوازات.
الحجر الصحي فرصة للوقاية من كل ما قد يعلق بالعقل من فيروسات أيضا. إن لم يتم اتخاد إجراءات وقائية، قد تفتك بصاحبه وتخشبه. القراءة إجراء وقائي ولقاح واعد ضد “فيروسات العقل”. هيَ دواء من كل داء، إنها مشفى العقول كما قالت مريم أمجون سفيرة القراءة في المغرب. المتابع لما تعرفه وسائط التواصل العابرة للحدود، سيلحظ أن الإجراءات الجديدة التي واكبت كورونا في المغرب، أسهمت في الاهتمام بالقراءة داخل المنازل والبيوت. فقد عرفت هذه الوسائط مبادرات كثيرة لها صلة بالتشجيع على القراءة وممارستها في المنزل.
أطلقت شبكة القراءة المغرب بدءا من فاتح أبريل الماضي، حملة هدفها الأساس وغايتها الأسمى تعزيز فعل القراءة، وجعلها روتينا يوميا ووجبة كل شخص لكل يوم. كان شعارها “الزم بيتك…اقرأ كتابك”، وقد لقيت صدى كبيرا وتفاعلا من طرف القراء الذين سرعان ما بينوا عن رغبتهم في توسيع دائرة القراءة في محيطهم، ومحاربة التفاهات الرائجة. إننا في فترة حيث على كل مواطن أن يعي ذاته، ولا وعي دون فكر كما لا فكر دون قراءة. القراءة هي اللبنة الأساس لبناء مجتمع واع، يفهم أنه لا تقدّم إلا بتطوير الفكر ودخول عالم السؤال.
لم يقتصر القراء على القراءة فحسب، بل استغلوا هذه التقنيات التي روجت للتفاهات اليومية، إلى التواصل مع الكُتّاب و المفكّرين ومناقشتهم في بعض ما انشغلوا به واهتموا بدراسته، فإلى جانب مبادرة شبكة القراءة، باتت صفحة تحدي_قراءة_100_كتاب_خلال_سنة_2020.، مرجعا يوميا للعديد من القراء، وعشاق السؤال الفلسفي والفكري، وفي هذا الإطار أطلقت الصفحة برنامج “حوار مع كاتب”، الذي يقدم فيه ضيوف الصفحة مداخلاتهم، ليعقبها نقاش مثير يمتد لساعات في طبق فكري ممتع ولذيذ.
بدأ الأمر مع الروائي المغربي محمد بنميلود وروايته “الحي الخطير”. هذه الأخيرة التي تندرج ضمن أدب المدينة، وعملت على تناول العديد من القضايا التي يعيشها المواطن في معيشه، خصوصا ما تعلق منها بالتفاوتات الطبقية. ومن إطار الرواية نقلت الصفحة قراءها إلى لفلسفة لشدة حاجتهم لها في هذه الفترة، باعتبارها شفاء. ففي مائدة فكرية (افتراضية) حملت عنوان “الطب كرهان فلسفي”، ناقش الفيلسوف والمفكر المغربي حسن أوزال، أطروحاته بخصوص العلاقة بين الفلسفة والطب، كما عقد عبدالكريم سفير، رئيس الجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة، ومؤسس حزب الحب العالمي فكرته حول “الحاجة إلى تعاقد جديد” مع الأرض والإنسان. وهي ليست الحلقة الأخيرة، فما زالت الصفحة والشبكة وغيرهما من القراء النشطاء يعدون بمبادرات أخرى تهم القراءة والكتاب.