OCP

باحث من سيدي بوعثمان يقرأ الظاهرة الوبائية بالمغرب من الطاعون إلى وباء كوفيد 19.

0

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

من إنجاز الأستاذ الباحث : حسن الخلفاوي

تزخر المصادر الإخبارية وكتب الرحالات الجغرافية، بالعديد من الصور التي تصور لنا حالة المجتمع المغربي زمن الأوبئة والأمراض الفتاكة من تاريخ المغرب والمغاربة. غير أن الإخباريين والرحالة القدامى، غالبا ما كانوا يعرضون هذه الصور بشكل عرضي وفقط. خاصة بعد تزامن هذه الأمراض او الأوبئة مع بعض الأحداث التاريخية الهامة كالجفاف او الحروب، في إطار العلاقات السببية بين الظاهرة البيئية والحدث التاريخي .

لكن في ظل هذا الافتقار المعرفي ، فقد حاول مجموعة من الباحثين في حقل التاريخ ، خوض غمار البحث في مثل هذه الظواهر المرضية، مقتحمين بذلك مجالات بحثية أخرى من علم الجغرافيا والديموغرافيا، البيولوجيا و علم النفس والأنثربولوجيا، وغيرها من العلوم المساعدة لعلم التاريخ.

نذكر على سبيل المثال الدراسات القيمة لكل من الأساتذة:

الحسين بوالقطيب: جوائح وأوبئة مغرب عهد الموحدين
محمد امين البزاز: تاريخ الأوبئة والمجاعات بالمغرب في القرنين 18م/19م
عبد الهادي البياض: الكوارث الطبيعية وأثرها في سلوك وذهنيات الإنسان في المغرب والأندلس خلال القرنين 12 و14م
حميد التريكي وروزنبيرجي: المجاعات والأوبئة في مغرب القرنين 15 و16 م ، ترجمة عبد الرحيم حزل.

لعل المطلع على هذه المصادر والدراسات التاريخية الخاصة بالمغرب ،قد يصاب بنوع من الدهشة أمام تلك الصور التي قدمها المؤرخون القدامى عن حالة المجتمع المغربي زمن الأوبئة . خاصة أمام تباعد الأزمنة وتطورات المجتمع. لكن فاجعة وباء كرونا أو كوفيد19، التي عاشها جيل الألفية الثالثة، قد أبانت بشكل واضح حجم وهول الكوارث الوبائية وانعكاساتها على بنية المجتمع الفكرية والثقافية، النفسية والسلوكية والعقدية كذلك. لما أفرزه هذا الوباء من مواقف وسلوكيات جديدة، ومن تفسيرات وتعليلات وتنبؤات بخصوص نشأته وتطوره .

وقبل الحديث عن هذه الإفرازات الخاصة بالوباء المهاجر كوفيد19، لا بد من عرض بعض النماذج التي قدمتها الكتابات التاريخية المغاربية حول الطواعين الوبائية التي عاشها المغرب في القرون الماضية.

وصف الظاهرة الوبائية بالمغرب الوسيط والراهن

الطاعون والوباء: الدلالة والرمزية

عاش المغاربة ومند القدم، تجارب عديدة مع الأمراض والأوبئة الموسمية منها والفجائية. وأطلقوا على هذه الظواهر المرضية عدة أسماء غير أن ما تحتفظ به المصادر الإخبارية والذاكرة الجماعية للمغاربة، هو اسم “الطاعون” او “الوباء” او “الطاعون الأسود” نسبة إلى التاريخ المظلم في حياتهم. ولعل اختيار هذه الأسماء لم يكن عبتا، خاصة إذا رجعنا إلى المعجم اللغوي لكلمة الطاعون أو الوباء. حسب معجم المعاني الجامع .

فالطاعون لغة : فهو من الطعن (طعن) أي الوخز والرمي والإصابة، كما يعني الضرب والقتل والمقاتلة (المطاعنة). أما الوباء فهو من فعل “وبؤ” و”وبئ ” و”وبأ ” أي كثر وعبأ وهيأ ،و”وبأ ” بمعنى أنزل به. وما يحمله اسم الطاعون والوباء من دلالات، تدل كلها على عدة مؤشرات منها ،مؤشري المفاجئة والقتل، وكذا الحلول والانتشار. وهذا ما تميزت به الأمراض بالمغرب خلال العصر الوسيط والحديث، وهو أنها كانت تنزل او تحل بشكل مفاجئ على المجتمع، وتنتشر بشكل سريع مخلفة ورائها عددا كبيرا من القتلى والمعطوبين. وخاصة ان هول الكوارث كان قد يصيب البعض بالجنون إن بقي على قيد الحياة، نظرا لما تشاهده عيناه من صور بشعة ومأساوية .

أما اصطلاحيا، فإن الطاعون حسب المغاربة هو من الأوبئة المعدية والمتنقلة، وان الطاعون الذي يصيب الإنسان هو ثلاثة أنواع: الطاعون الدملي يصيب الغدد اللمفاوية ، ثم الطاعون التسممي وهو ناتج عن مضاعفات الطاعون الدملي أو الطاعون الرئوي، وهو النوع الثالث، والمقصود به الوباء الذي يصيب الرئة وينتقل بواسطة رذاذ المريض أو بصاقه، ومن أعراضه ارتفاع درجة الحرارة والقشعريرة والصداع والسعال. وتصل نسبة الوفيات بسببه إلى حوالي 70 في المائة.

الأوبئة وطواعين المغرب الوسيط والحديث.

تعرف المغاربة القدامى في صراعاتهم مع الطبيعة، على العديد من الأمراض والأوبئة الموسمية منها والفجائية العابرة منها والقاتلة، غير أن المصادر الإخبارية لم تتحدث على مختلف هذه الظواهر. وذلك لعدة اعتبارات دينية وسياسية . ماعدا الإشارة إلى الأمراض والأوبئة الفتاكة والقاتلة والتي كان لها ثأثير كبير على الأوضاع العامة ببلاد المغرب، أو تزامنت مع سنوات القحط والجفاف. ومن بين الإشارات الصورة التي نقلها لنا المؤرخ ابن ابي زرع(المتوفي سنة1326م). في كتابه روض القرطاس عن وباء القرن 13م .حيث أكل المغاربة بعضهم البعض اذ يقول ” وفيها (أي سنة 1237م) اشتد الغلاء والوباء بالعدوة فأكل الناس بعضهم بعضا ، وكان يدفن في الحفرة الواحدة المائة من الناس ” .

إن هذه الشهادة تبين إلى أي حد حدة الكارثة التي دفعت بالإنسان إلى يصبح وحشا آدميا. وكذلك مدى حجم الضحايا الذين كانوا يدفنون في مقابر جماعية للتخلص من جثتهم في أسرع وقت،خوفا من إنتشار الوباء.

لكن إذا كان وباء القرن 13م قد تميز بهذه المميزات، فأن وباء القرن 14 كان أكثر حدة. حيث كاد المغرب أن يعرف انقراض العنصر البشري جراء وباء الطاعون العظيم، الذي أودى بحياة أهل المدن والقرى بكاملها وخراب المنازل وخلوها من الأرواح البشرية والحيوانية، حتى طمست معالم الطرقات ومراسم الحدود. والتي صورها لنا المؤرخ ابن خلدون (732ه/808ه) إذ أشار أثناء حديثه عن الكارثة قوله ” فانتقص عمران الأرض ، بانتقاص البشر ، فخربت الأمصار والمصانع ودرست السبل والمعالم وخلت الدور والمنازل” وخاصة أن هذا الطاعون الذي ضرب المغرب عام 1348م كان قد أخد منه أبويه وشيوخه في آن واحد، وأثر بشكل قوي على نفسية ابن خلدون ومساره العلمي .

إن تتبع مظاهر الأوبئة والأمراض بمغرب الأمس، تبين بشكل مهول حجم الخسائر البشرية التي تعرض لها المغاربة عبر تاريخهم المظلم في هذا الجانب. حيث قلة الوعي الوقائي للسكان وضعف إمكانيات الطب والتطبيب الفعال في ذلك الزمان . وذلك يرجع لسيادة الطب الشعبي الخرافي والسحري في صفوف فئات عريضة من المجتمع المغربي. الشيء الذي كان يضاعف من حدة الوباء ويزيد من قابلية انتشاره. نذكر في هذا الصدد صورة أخرى عن الوباء والمجاعة التي ضربت المغرب والمغاربة فس سنة 1738م، والتي دفعت المغاربة إلى رمي موتاهم في الأزقة والمزابل والعجز عن دفنهم بالمقابر، الشيء الذي كان يزيد من انتشار الأوبئة بين مختلف الكائنات .أمام الخوف الذي كان يعتري الأسر من انتقال العدوى. هذه الصورة التي أوردها لنا المؤرخ محمد الضعيف الرباطي الذي عاش (1752/1820م) نقلا عن الأستاذ محمد أمين البزاز بقوله عن وباء1738 ” ماتت عامة الناس بالجوع وعجز الناس عن دفن موتاهم ،وكانوا يرمونهم في الأزقة والمزابل وغير ذلك…” . دون نسيان وباء الكوليرا أو بوكليب الذي ضرب دول العالم ومنها الدولة المغربية في موجات متتالية ودخوله المغرب عام 1834م، والذي كان أكثر وباء تدميري عرفه العالم خلال هذه الفترة. سواءا من حيث الخسائر البشرية او من الآثار النفسية التي كان يخلفها . وذلك يظهر من خلال الوصف الذي أعطاه أياه المعاصرون من المؤرخين.” اذ يقول الشرفي(نقلا عن محمد أمين البزاز ص 171) عن وباء بوكليب او الكوليرا وسمي ب الريح الأصفر” فكان موته (الإنسان) موت بغتة وفجأة ، كم من واحد مات فيه بالحيرة والدهشة حيث يرى الإنسان أخاه يمشي صحيحا فيسقط ميتا. وقل من جاوز في تلك المدة 24 ساعة … وبنفس ما ينقاس به الانسان فيتغير حاله وتشوه خلقته وتقع اللكنة في لسانه فيلجلج. .. وتزبخر أظفار يديه ورجليه كأنها صبغت بنيلة. ولما يرى الصحيح تشويه خلقة المريض يحصل له الجزع والفزع ويختل عقله وتكاد النف سمنه تفيض”

. ان الصورة التي يقدمها الشرفي عن وباء الكوليرا تبقى من أكثر الصور بشاعة ، وذلك لما تميز به هذا الوباء من عنصر المفاجئة والمباغتة والفتك بأرواح العباد، وتشويه الأجساد، وما يثيره من هلع في النفوس إلى حد الجنون أو الانتحار.

تجدر الإشارة إلى انه يبقى من الصعوبة بمكان جرد مختلف الأمراض والأوبئة التي عاشها المغاربة، والإحاطة بها في هذه الورقة التي حاولنا من خلالها وفقط تسليط بعض الضوء على هذه الظاهرة التاريخية هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فإن دراسة هذه الظواهر الوبائية من مقاربة تاريخية يبقى قاصرا، وذلك لصمت المؤرخين عن تدوين مجموعة من الحقائق التاريخية الخاصة بهذه الأمراض. نظرا لاهتمام المؤرخين التقليدين، بتدوين الأحداث العسكرية والسلطانية وانجازات السلاطين ، وحتى إن جاء ذكر مثل هذه الأوبئة فإنها فقط لما كان لها وقع وانعكاس قوي على السلطة المركزية، او أنها دامت لأكثر من سنة .كما أن أغلب المؤرخين كانت تعتريهم أحيانا عدم الإفصاح عن الأوبئة والأموات من منطلق واذكروا أمواتكم بخير وعدم التشهير وتصوير حالة المتوفين و الجثث وغيرها . وحتى عن عدد ضحايا الأوبئة فإن المؤرخين اكتفوا بذكر ” ومات خلق كثير لا يحصى” أو يقولون بأن عدد الوفيات كان يتجاوز

100وفاة في اليوم الواحد.

ج) فيروس كرونا أو كوفيد 19 : التعريف ومظاهر التخويف.

 

إذا كانت المصادر الإخبارية والإعلامية بالمغرب الوسيط ، لم تقدم وصفا دقيقا عن الأوبئة الفتاكة . فإن فيروس كرونا لقي صدى واسعا من لدن وسائل الإعلام الحديثة السمعية منها والبصرية . بعدما أن جعلت منه فيروس القرن بامتياز. ووضع تعريف محدد لهذا المولود الجديد العاق للعالم. بأنه ” وباء لا يختلف عن الطاعون الرئوي القديم في العديد من الخصائص، منها انه يصيب الرئة ويدفع بصاحبه إلى تسليم روحه للخالق الباري، كما أنه سريع الانتشار. غير أن ما يميز فيروس كوفيد 19 أو كرونا، كونه فيروس متحول ومتطور وينتقل من إنسان إلى إنسان عن طريق اللمس او العطس وتطاير رذاذ المريض على الشخص السليم ، كما أنه يستطيع العيش لساعات طوال في مختلف لوازم الإنسان من ملابس وأواني بلاستيكية أو نحاسية أو غيرها، وتحث درجة حرارة معينة. كما أن أعراضه لا تظهرعلى حامل الفيروس إلا بعد مضي أسبوع أو أسبوعين بعد أن يكون قد نقل الوباء إلى جميع أفراد الأسرة أومن إلتقى سبيله من بني جلدته .مما يزيد الأمر صعوبة في محاصرة هذا الوباء.

لكن تطور هذا الفيروس وتحولاته البيولوجية،جعلت المنابر الإعلامية العالمية، كل يوم تخرج بتصريحات متضاربة يوم بعد يوم، وكل حقيقة جديدة تكذب سابقتها. مما جعل العامة وخاصة بدول العالم الثالث ومنها المجمتع المغربي، يفقد الثقة في كل ما يتداول حول هذا الفيروس، والاستسلام للخوف الذي أصبح ملازما له ليل نهار.

هذه المخاوف التي أفرزت العديد من السلوكيات والمواقف من طرف العامة والخاصة من المجتمع المغربي . من قبيل اعتكاف الأسر بمنازلها خوفا من نقل العدوى،و تجنب الاختلاط والتجمعات البشرية. حتى أغلقت المساجد و الأسواق والدكاكين ونفس الشيء عن المدارس والمصانع. كما توقفت حركة السكان و منعت صلاة الجمعة، وانقطعت صلة الرحم، بين الأقرباء والعائلات والأصدقاء. وأجلت الأعراس والمناسبات التي يجتمع فيها البشر….

ومما زاد الأمر خطورة ودمارا للأنفس، هو ما كان يتداول من أخبار بأن فيروس كورونا يفتك بكبار السن والعجزة وضعيفي المناعة، وأصحاب الأمراض المزمنة . في الوقت الذي تعاني فيه شرائح كبيرة من المجتمع المغربي من هذه الأعراض. ففي الوقت الذي كان العجزة يطلبون ويتمنون حسن الخاتمة ، أصبحوا أمام إشاعات وصور أكثر فضاعة وقساوة. تقول بأن من توفي بفيروس كرونا يحرق كي لا ينتشر الوباء ، والبعض يردد أن من توفي بكرونا لا تصلى عليه صلاة الجنازة ولا يتم اغتساله. مما جعل البعض يفقد الحياة قبل إصابته بالفيروس. وهناك من ظهرت عليه أعراض الإصابة ولكن لم يستطع الذهاب للمستشفي او إعلان إصابته وطلب العلاج. ومن الناس من أقدم على الانتحار وخاصة بدول أرويا. ناهيك عن الأمراض النفسية التي أصابت العديد من البشر، خاصة أن الإعلام العالمي والوطني يقدم كل يوم حصيلة الوفيات والإصابات . وتؤكد على أن الإصابات والوفيات تتجاوز الألف وفاة في اليوم الواحد.

تفسير وتعليل الظاهرة الوبائية بالمغرب بين الأمس واليوم
اتخذت الظاهرة الوبائية بمغرب الأمس عدة تفسيرات وتأويلات، وذلك راجع لاختلاف المرجعيات ومستويات الفهم والمراتب الاجتماعية . إذ أرجع الفقهاء أن أسباب الأوبئة ترجع إلى غضب إلهي على المسلمين الذين خرجوا عن الطريق القويم . في حين أرجع السلاطين سبب الأوبئة هو خروج العامة عن السلطان وأولي الأمر وعدم إخراج الزكاة والأعشار.كما رجح البعض وخاصة الفئات أو القبائل المعارضة للسلطة المركزية أن سبب الوباء أو الطاعون هو جور وظلم السلاطين الذين تمادوا في الاغتيالات وسفك الدماء. أما المتصوفة فقد ذهبوا إلى أبعد من ذلك إذ أرجعوا سبب حدوث الطاعون وكثرة الأموات من علامات الساعة وأن ظهور المهدي المنتظر قريب، وأحيانا ما كان أحدهم يدعي أنه المهدي المنتظر، الذي سيملأ الأرض عدلا ويأمر بالمعروف وينهي عن المنكر. كما ظهر في الساحة الدجالون والعرافون الذين أرجعوا ذلك إلى الأرواح الشريرة التي تطعن الإنسان من الخلف فترديه قتيلا. أما إبن خلدون العلامة المؤرخ وعالم الاجتماع. فقد أرجع سبب وباء الطاعون يفسر بسبب ” فساد الهواء لكثرة العمران وما يخالفه من العفن والرطوبة الفاسدة، وإذا فسد الهواء وهو غداء الروح الحيواني وملابسه دائما. فيسري الفساد إلى مزاجه ، وإذا كان الفساد قويا وقع المرض على الرئة وهذه هي الطواعين وأعراضها مخصوصة بالرئة” وهذا ما يتماشى مع التعريفات السابقة التي أعطيت للطاعون الرئوي . مما يجعلنا نقبل نسبيا هذا التفسير العلمي حسب إمكانيات علم الطب والعلاج خلال العصر الوسيط.

وبما أن هذه الفئات هي التي كانت تمثل القنوات الإعلامية آنذاك، فإن المجتمع المغربي بدوره ظل حبيس هذه التفيسرات. خاصة وأن أغلب فئات المجتمع كانت تعاني الأمية والجهل والإيمان بالخرافة .

أما اليوم بخصوص فيروس كرونا، ورغم الفارق الزمني بين تفسيرات مجتمع ابن خلدون الذي عاش خلال القرن 14م، فإنه اليوم ونحن في القرن 21م. تبقى التفسيرات التقليدية حاضرة بشكل قوي في صفوف فئات عريضة من المجتمع، والتي ترجع سبب الوباء أو فيروس كرونا إلى الغضب الإلهي وكثرة المنكرات وانتشار الفساد . في حين أرجعته بعض الفئات من المجتمع المتابعة لكل ما ثبته الوسائل الإعلامية، حسب مستوى إدراكها إلى أن فيروس كرونا هو صناعة من اليهود لضرب المسلمين. مع العلم أن الفيروس شمل المؤمن وغير المؤمن. في حين ذهبت تفسيرات بعض المثقفين، إلى أن فيروس كرونا هو سلاح بيولوجي جديد بين القوى الاقتصادية العالمية الرأسمالية والاشتراكية حول من يتولى قيادة العالم سياسيا واقتصاديا. وخاصة بعدما أن بدأت تلوح في الأفق الإعلامي، اتهامات من هنا وهناك بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين. حيث اتهمت الولايات المتحدة الأمريكية الصين بإخفائها ظهور انتشار الوباء ببلادها ، وأن الحزب الشيوعي الصيني يشكل تهديدا كبيرا لصحة المواطنين وحياتهم . في حين أرجعت الصين أن سبب الوباء كان وراءه الجنود الأمريكيين .

ففي الوقت الذي كان على هذه القوى العالمية القيام بحملات تحليلية للوباء ، أصبحت تقوم بحملات تضليلية من هنا وهناك. أما علماء البيولوجيات والفيروسات الميكروبية فقد انشغلوا في البحث عن حجج للدفاع عن هذا التضليل وتكذيب الرأي الآخر. وفي انتظار رحيل الوباء عن العالم، أجمع العلماء على أن الفيروس كرونا أو كوفيد ،19 ما هو إلا نتيجة بيئية ورد فعل للطبيعة، جراء التغيرات المناخية العالمية وظاهرة الاحتباس الحراري ، وذوبان الجليد وما يرافق ذلك من ظهور فيروسات جديدة لم تكن معروفة من قبل او تطور الفيروسات المعروفة. حتى تتكيف مع الحميلة البيئية الجديدة التي أفرزتها التغيرات المناخية في السنوات الأخيرة. كما أكدت على أن هذا الفيروس هو كباقي الفيروسات ومهما كانت خسائره فإنه سيتوقف مستقبلا، إما طبيعيا بعد ارتفاع درجة الحرارة في فصل الصيف، او وجود لقاح مضاد لهذا الفيروس. لكن هذا لا يمنع العالم من أن يعرف مستقبلا فيروسات وأوبئة جديدة حسب الحتمية الطبيعية والتطورات التكتولوجية.

وختاما، فإن ما يمكن تسجيله من ملاحظات حول هذه الظاهرة الوبائية بالمغرب، هو أن أمراض الطاعون والأوبئة،هي ظواهر دورية. وقد عرف الإنسان ومند القديم العديد من الأوبئة والطواعين، منها ما هو محلي ومنها ما هو عالمي. كما أن مددها الزمنية تتباين من وباء الى آخر. فأوبئة تستمر للشهور وأخرى قد تمتد إلى السنة والسنة والنصف وأطولها دامت ثلاث سنوات تقريبا. كما تشير أغلب الدراسات التاريخية إلى أن ظهور هذه الأوبئة يتزامن غالبا مع فصل الربيع وخاصة شهر مارس، كما أن بعضها قد يكون نتيجة تساقط الأمطار بعد جفاف طويل الأمد. كما أشارت المصادر الإخبارية أن هذه الأوبئة أو الطواعين بعضها يعود للبلاد بعد سنتين أو ثلاث، وأوبئة أخرى تختفي لسنين طويلة تصل إلى الثلاثين سنة. لكن رغم الخسائر الفادحة والنتائج السلبية التي كان يحدثها الوباء بالمجتمع، فإن هذا الأخير يستطيع الوقوف من جديد وإعادة بناء وترميم ما دمره الوباء.

بالتالي ففيروس كرونا العالمي. ما هو إلا امتداد تاريخي لفيروسات سابقة، غير أن وسائل التواصل الحديثة زادت من تضخيم وتهويل الكارثة ،وزيادة الخوف في صفوف المواطنين. مقارنة بخسائر الطواعين السابقة، التي كانت تخلق فراغا مهولا بالقرى والمد اشر والمدن. كما أن تفسير الظاهرة الوبائية، رغم التطورات العلمية والتكنولوجية وتجربة الدول في تعاطيها مع مجموعة من الأوبئة عبر التاريخ، إلا أن الإنسان ما يزال متشبثا بتفسيراته التقليدية الغيبية والخرافية بشكل كبير في تفسير وتعليل مثل هذه الظواهر . مما يعطي صورة قوية على أنه رغم تطور التقنيات ما يزال هناك جمود في العقليات، التي لم تستوعب تاريخها وماضيها ولم تستطع انقاد حاضرها ومستقبلها.

لكن رغم كل هذه الاستنتاجات يبقى أهم استنتاج هو أن فيروس كرونا أو كوفيد 19، قد أعطى للبشرية فرصة تاريخية لكي يعيد النظر في بناء تصوراته للحياة والكون والطبيعة ، وكذا إعطاء صورة قوية للدول الرأسمالية المتوحشة التي كانت توهم نفسها أنه قد استطاعت بفضل العقل والعلم التحكم والسيطرة على الطبيعة. لكن كوفيد 19 قال بأن الطبيعة لا تستسلم، وقادرة على الانتقام ووضع حد لجبروت الرأسمالية المستنزفة للموارد الطبيعية والمهددة للتوازن البيئي.

ويبقى آخر استنتاج يمكن أن نختم به هو أنه إذا كان المغاربة قديما يؤرخون بمثل هذه الأوبئة بجعلهم أسماء الطواعين مرجعا للتأريخ بقولهم ” عام البون” عام بوكليب” عام الصندوق ” وغيرها من الأسماء. فإن فيروس كرونا هذه المرة، هو من كتب التاريخ وحمله معه في إسمه كوفيد 2019. ليذكر بني البشر بهذه التجربة الوجودية التي شهدها العالم في القرن الواحد والعشرين.

 

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

بدون تعليقات
  1. عبد الله الطلبيكس يقول

    موقع جيد وظرفي وباحث متفرد سي حسن الخلفاوي يسر الله أمرك، وتبقى ظاهرة الوباء مستعصية على الفهم ما لم يحط بها الباحثون من مختلف الجوانب المتدخلة فيها اجتماعيا ونفسيا وطبيا واقتصاديا… ونحن رهن الاشارة للعمل في هذا الباب.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.