في زمن الكورونا أيت الزين يكتب : أحيانا أكثر الناس ذكرا لله، أبعدهم منه…
ذ عبد الواحد أيت الزين
فرق كبير ذاك الذي يفصل بين: نقد سلوك ثقافيّ، (صادر عن ذهنيّات تزعم أنّها دينيّة)، والطّعن في الدّين. الحداثيون والعلمانيون المغاربة، لا يطعنون في الدّين، ولكنهم قد يستهجنون (وقد يسخرون) من الجهل المستشري في أوصال المجتمع، باسم الدّين، وهم متفاوتون في رؤاهم النقدية تجاه ذلك.النقد ليس طعنا، والتدين ليس هو الدين…والدين ليس هو الخطاب الديني، ولا هو السلوك الديني…
من يوهم الناس، بأن السخرية من “الخطابات والسلوكات” (المبررة باسم الدّين) سخرية وطعن في الدّين، إما إنه يهرف بما لا معرفة له به، وإما إنه يخلط الأمور ويشوشها على الناس لغاية في نفسه.
لم تكن الحداثة والعلمانية ضد الدّين. الدّين أساس من أسس النفس البشرية، وقد لازمها طويلا، وليس من مصلحة أي كان إزاحته والرمي به جانبا، فله وظائف شتى ينجزها، ولا قيام –في نظري- لاجتماع بشري متوازن إلا بها. لكن أن يلتهم الدّين مساحات ليست له (الدّنيا وشؤونها) فهذا هو ما يتعرض له كثيرون بالنقد والمساءلة. وهذا الأمر، لا يعني الطعن في الدين وتسفيه قناعاته، لكن ذلك لا يعني صرف النظر النقديّ عن “ممارسات وخطابات” تتخذ من “الدّين” شعارا لترمي بنا خارج التاريخ والعالم.
الهَزْلُ أسلوب معروف في تاريخ الفكر الإنسانيّ. من يقرأ فولتير (وغيره)، سيفهم أنه أسلوب بلاغيّ (وسياسيّ) في نقد “رجال الدّين” الذين كانوا عائقا أمام “الأنوار الأوربية”، وليست مجرد طعن مرسل في معتقدات الناس، كما يوهم ويتوهم البعض.
نعم لسلوكات دينية حضارية، تنغمس في أعماق النفس البشرية، لتقوي مناعتها الروحية ضد الأخطار المحدقة بها، لكن أن يُطلب -ومن مثقفين وجامعيين مع بالغ الأسف- الحجر على النقد، (نقد الخطاب الدّيني والسلوكات الدينية البدائية)، بل والدّعوة إلى إلجام الناس عن الحق في الكلام، فهذا أمر مؤسف حقا. لا ننسى أنها هي نفسها الحجج، التي سبق أن أهدر بها دم نصر حامد ابو زيد وطلّق من زوجه، وهي نفسها حجج الذين وقفوا وراء الكثير من الكوارث في حق الفكر الحر، والنقد.
ليس الوقت مناسبا، لتصفية الحساب مع مكتسبات المغاربة بخصوص حقوقهم الفكرية (الحق في النقد، والحق في المساءلة، الحق في “الهزل” أساسا)، وليس الوقت مناسبا لتصفية الحساب أيضا مع الدّين ومنابعه الروحية الثرية (القرآن الكريم أساسا، وبعض التجارب الروحية المستنيرة في تاريخ العالم)، ولكنه وقت مناسب لدراسة الذهنيات وتفكيك العقليات التي تكون وراء سلوكات وخطابات ترجعنا إلى عالم “صكوك الغفران” الوسيطي.
عقلنة السلوك، والالتزام بالقانون والدولة، والارتباط بالتنظيم المؤسساتي، محددات أساسية للعقل الحداثي والعلماني، مع التزاماته النقدية تجاه أي تجاوز يمس حقوق الأفراد والجماعات.
ذكر الله، واطمئنان القلوب، ومواساة الناس، مرتكزات لذهنيات دينية يحتاجها العالم المعاصر بلاشك. لكن أن تتحول إلى خطر على المؤسسات والأفراد والجماعات، فهذا مدعاة إلى الفكر النقديّ ليقوّمها، ويفككّ الشكل الذي صارت به عليه.
وأما “”التدين المظهريّ المزيف” (الذي تضاعف حضوره مع جائحة كورونا)، فإنه ليس توجها صافيا لوجه الله، وإنما شعور متعاظم بالظهور للغير على صورة ما. الله قريب، وليس في حاجة إلى العويل والصياح الجماعيّ، ليفتح لنا بابه…
فلنذكر الله في قلوبنا، ولنلزم بيوتنا، ولنتأمل ما يحدث، لاستخلاص الدروس والعبر، علّها تسعفنا في معالجة صحتنا الجماعية بعد كورونا. لنقرأ، ونفكر، ونستزيد من منابع الفكر والثقافة، لعلنا بعد كورونا، نسهم جميعنا في تقوية مناعاتنا التربوية، والسياسية، والثقافيّة، وغيرها، لأن هناك “كورنا” فينا منذ زمن، وهي حية لا تموت، إنها: الجهل، والفساد، وسياسات استنزاف “المافيات الاقتصادية” لخيرات الطبيعة، والإنسان.
“وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ”: وذكّر، لعلّ الذكرى تنفع…