مع الدخول المدرسي الجديد : ولنا في التربية والتعليم رأي..
فور تنمية : الدكتور المختار شفيق
لا يمكن الا لأحمق أن يجادل في أهمية وأولية مسألة التعليم واعتبارها قضية وطنية ذات أهمية قصوى وأولوية أساسية.
الأمر ليس بالجديد، ولا بالخاص بالمغرب، إن التعليم يحظى بالأولوية في مختلف بقاع العالم ومنذ زمن بعيد، بل كانت المدرسة دائما ومنذ أن وجدت رهانا اجتماعيا فرض على المجتمعات وخاضته بكل تفان.
لا يرجع ذلك لأهمية التعليم في ذاته ولكن أيضا للدور الحساس والمهم الذي تمارسه المدرسة عبر آلية التنشئة الاجتماعية، مما تطلب معه ضرورة مراقبتها بل والهيمنة عليها من أجل التوظيف لخدمة ترسيخ نمط سوسيوثقافي معين او نموذج سوسيوثقافي مهيمن، وهو النموذج الذي سيختلف من فترة زمنية إلى أخرى ومن بلد إلى آخر.
وستزداد هاته الأهمية انطلاقا من سبعينيات القرن الماضي عندما ستعمل نظرية الرأسمال البشري على قلب التصورات الاقتصادية الكلاسيكية لكينز التي كانت تعطي أولوية للاستثمار المادي، لقد ابرزت النظرية الجديدة مع بيكر ومينسر وغيرهما أن الاستثمار في العنصر البشري يساهم بضعفي ما يساهم به الاستثمار المادي في نمو الناتج المجتمعي العام.
هكذا إذن سيغدو الاستثمار في التعليم وفي التربية، وبمعنى آخر في العنصر البشري، رافعة تنموية وسيصبح التعليم ذا أهمية فائقة التقدير ومسألة تهم الجميع.
لكن مصيبتنا في المغرب أن التعليم يهم الكل ولا يهم أي أحد … لعلكم تتساءلون ما هذا التناقض وما الذي يسوغ لنا هذا القول ؟
إن الأمر بسيط جدا :
أولا، وكما قلت ذلك ساقا فالقضية قضية الجميع، وتهم الكل لكن الأمر خرج عن السيطرة فالكل ينظر ويجد الحلول، وبالتالي أصبح كوعو وبوعو وخوخو يتطاولون على ميدان لا يعرفون عنه أي شيء اللهم إمضاء بعض السنوات على كراسي المدرسة وهي السنوات التي لا يعلم حالها ووضعها إلا الله…
ومن تم تجد مثلا من إعلاميينا اليوم، إن استحقوا هذا الوصف، ممن لا يستطيعون صياغة جملتين متتاليتين بلغة عربية فصيحة، بل بأي لغة، إلا ما رحم ربك، يجادلون ويقترحون وينظرون ويجدون الحلول… وقد يدافعون عن لغة لا يعرفون عنها شيئا بل يكرسون عبر منابرهم خليطا لغويا غريبا وهجينا وهلاميا قلما تستطيع أن تستبين كنهه ومبتغاه.
ثانيا، وهذه هي الطامة الكبرى والصدمة العظمى….إنه حال أحزابنا الغائبة النائمة ونقاباتنا الفاقدة لكل أوجه المصداقية، الموجودات الغريبة التي تركب كل موجة عابرة وتتسلق كل التيارات وتخبط خبط عشواء،
والواقع أن هاته الكائنات الغريبة، لا زالت تعتبر نفسها ممثلا لشعب ما وتنطق باسم أحد، مع أنها تعلم جيدا أنه لا مصداقية لها، وهي تريد اليوم أن تظهر بصورة المنافح عن المدرسة العمومية وعن التعليم الوطني،وعن لغة عربية لا يعرفونها لارتباطهم بسياقات ثقافية مختلفة ولكونهم يدرسون أبناءهم خارج حدود المدرسة العمومية،
ويبقى أصدق مبرر لما نقول هو أن هذه الكائنات الغريبة لا تملك، حتى لا اقول مشروعا مجتمعيا،مشروعا تعليميا، فلا نجد في منشوراتها وبرامجها الانتخابية روح تصور واضح لمعضلة التعليم ولم تتفضل يوما، إحدى هاته القوى كما تحب أن تصور نفسها، بعرض طرح لها بخصوص هاته المسألة.
إنها، وللأسف العميق، لا زالت تعيش ردة، وتحيا زمنا ولى ولم تنتبه إلى أن زمن الأيديولوجيا والخطابة، قد ولى وانتهى وأنتا في عصر البرامج والمخططات،
يا سادة يا كرام، لقد مللنا هذا الفصام، لقد مللنا الازدواجية الصارخة بين الخطابات المنمقة والمعسولة والواقع المر، كفانا من التجارب والاختبارات !
إن النهوض بالتعليم والتربية، لن يتم بالخطابات البراقة والمفاهيم المثيرة الطنانة، ولا بالماكياج الذي نحاول أن نطليه على وجوه مؤسساتنا.
إننا مطالبون اليوم وأكثر من أي وقت مضى بالترفع عن الخوض في التفاهات والقضايا الجانبية، مطالبون بالاتجاه رأسا إلى عمق المشكل….
إن أساس المشكل، في نظري المتواضع، لن أقول ضعف البحث العلمي بل غيابه مطلقا خصوصا في المجال التربوي، غياب ذلك هو الذي يحرمنا من النظرة المتبصرة لإكراهات الواقع ومتطلباته ورهاناته، وهو الذي يؤدي بنا إلى الترقيع، وإلى استيراد النماذج التربوية والبيداغوجية…. وغيرها، وهي النماذج التي غالبا ما تخضع للمغربة مما يفقدها قوتها وصلابتها ويبعدها عن أداء وظائفها… هذا إذا فرضنا أنها فهمت واستوعبت ووجدت طريقها إلى التطبيق وهو لعمري أمر بعيد عن التحقيق ولا وجود له إلا في الأوراق والتقارير.
المختار شفيق