OCP

جمعية اتحاد أصدقاء الفلسفة ببنجرير تنظم ندوة فكرية، في موضوع: “الحرية بين السياسي والديني”.

0

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

تنظم جمعية اتحاد اصدقاء الفلسفة ندوة فكرية حول موضوع : “الحرية بين السياسي والديني”. ذلك يومه السبت 24 مارس بمركز الاشبال بالحي الجديد ابتداءا من الساعة الرابعة بعد الزوال بمشاركة الاستاذين ابراهيم الفتاحي ورشيد ابلال .
  ارضية للنقاش : عبد الواحد ايت الزين:
 ما الذي يعنيه فعل التفكير “اليوم”؟ وما الذي يعنيه اختيار موضوع التفكير؟

في الحرية “اليوم”؟ أرضية نقاش ندوة “جمعية اتحاد أصدقاء الفلسفة”، في موضوع: “الحرية بين السياسي والديني”.
ما الذي يعنيه فعل التفكير “اليوم”؟ وما الذي يعنيه اختيار موضوع “الحرية” لامتحانِ فعل التفكير؟
نحسب أن التفكير “اليوم” اقتدار ذاتي على تَلقّفِ المتعذَّرِ تصوُّره. غير ذلك، ليس إلا كلاما “ساقطا”، أو بتعبيرٍ أقلّ حدّة “تمَارينَ إنْشائيّة تدْخُلُ في نِطَاقِ الوَاجِب المُؤَسّسِي (المَدْرسِيّ)”. إن القول أننا نفكر، ليس معناه أننا كذلك فعلا. التفكيرُ شعورٌ بعدم الأمان، لعدم الاطمئنان إلى ما نحن عليه، التفكير كفعل جللٍ، استجابة عميقة لنداء كانطيٍّ أمسى أشهر من أن يُومأَ إليْه:” لتجرأ على استعمال عقلك الخاصـ، دون توجيه من الغير”، أن لا تفكر، معناه أن تفوّض أمْرَك لغيرك، وأن تفكّر معناه أن تتحمّلَ أوجاعَ وِلادتِكَ الجَديدَة، لا نُولَدُ مرّة واحدة، وإنما مرّتين، الأولَى بيُولُوجية، والثّانيَة حين نكتشف أوهامَنا الصّلْبة، ونتّخذَ قَرارَ الهِجْرة من كهوفِ الجُموعِ، حينها، وحينها فقط، يصحُّ القول بأنّ “التّفكيرَ مَخاضٌ عسيرٌ”. 
منْ بَينِ مَا يَحولُ بينَنَا وبيْن التّفكِيرِ، نَجِد: الكَسَل، والجُبْن، وقَد أَبدَعَ كانط فِي تَمثّلِ النّاتجِ عَنهُمَا مِن إعاقاتٍ شَديدَة، أقْواهَا: اسْتطَابَةُ المَشْيِ بعكّازَات، وضْعُ هُبْلٍ مُحجّرٍ، يفقِدُ صاحِبُه أُهليّةَ تَدَبُّر شؤُونِه الخَاصّة، فيَسْتَلِذُّ وَضعَ: “القصور الذي هوَ نفسه مَسْؤولٌ عنه”، إنُّهُ وضْعُ “التفكير بالنيابة”: أنْ يَقومَ مَقامِي مَنْ يُريحُنِي مِنْ تَعبِ التّفكِيرِ، أن يُوجَد من يفكّرُ بَدلاً عنّي، هوَ وصِيّي الّذِي يَعرفُ: مَا الّذي يُؤذينِي فِي صِحّتِي، وَمَا الّذِي يُشكّلُ مَصْدَرَ ضررٍ على سَلامَة “عَقلِي”، وَمَا الّذِي يُمكنُ أَنْ يُهددَ اسْتقرَارَ “أَمنِي الرّوحِي”، هو “أبِي”، ليسُ البيُولُوجيّ دَومًا، لَكنّه المُؤَسّسةُ عَينُها أَحْيانًا، إنّه أَيضًا الأبُ الثقافيُّ والأُب الحَضاريُّ. 
لسْنا قَتلةُ آباءٍ نحنُ، لسْنَا عصَاةُ وصَايَاهُم، إِنّنا حُماةُ “ابْراهِيميّةٍ” خَرَمَها أُودِيبُهم، لكنّنا “لسْنَا هُم”، قدْ نقْتلُ أَطْفالَنَا عمَلًا بالوَصيّةِ، مَا خلاَ ذلك، فَهُوَ كبيرةٌ منَ الكَبائِرِ. هكذَا حالُ ضميرٍ مُنْهكٍ بِسُلْطَانِ التراث، مَا إنْ يفكّرُ أحدُهُم فِي الاقْترابِ من “ضَرِيحِه” حتّى تَنتصِبَ أمَامَهُ جَحَافلٌ مِنَ الجُيُوشِ، تَقُودُهُم أَلْواحٌ رُوحِيّةٌ، حوَّلَهَا الزّمنُ إِلَى “قميصِ عُثمَان” باسْمِه عَلَى سَبيلِ المِثالِ، يَتَحَوّلُ “صَحِيحُ البُخَارِي” (الّذي مَا قَرَأنَاهُ عَلَى الأَغلبِ) إِلَى قرآنٍ جَديدٍ، مُلْعُونٌ مَنْ يُفكّرُ فيه. فَحتّى وإِن رفع “المُصْحفُ” على رأْسِ القَلَم في موقعة “البُخاري” بمُرّاكشَ، فإِنّ نِداءَ “الأبِ” السّاكنِ فينَا، مَا يَفتأُ يُذَكّرِنَا بِمَوْعِظَةِ المُطْمَئِنّينَ “ولاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُم” (المائدة، 101)، دُونَما اعْتْبَارٍ لسيّاقِ الوُرُودِ ومُنَاسَبةِ النُّزولِ.
أن نفكّر اليَوم، ليس هو أن نتحدث عن “التفكير”، ولربما قد نُحوّل الحديثَ عنه إلى “الدعوة إليه”، وإنما هو أن نختلي بأنفسنا لحظات، حتى نَسْتَلّنَا ممّا نحنُ إيّاهُ، حَتّى تُتاحَ لَنَا مُلاقَاة مَا يَمرُّ أَمامنَا ولاَ نَنتبِهُ لَهُ. التّفكيرُ، فِي مَقامِ جَمْعيّة اتّحادِ أَصْدقَاء الفَلسَفَة، لَيْس قَطيعَة مَعَ البَداهَات، ولكنّهُ وُقوفٌ عَليهَا، وإصْغَاءٌ إِلَى مَا جَعلهَا تَتَبدَّه، أَو قلْ: انْتباهٌ إلَى مَا تَعذَّرَ عَلَى آخرينَ الانْتبَاهُ له. أوَ متاحٌ ذلك، لكلّ طالبٍ لهُ ورَاغبٍ فيه؟
أن ننتشلَنا من محبطات التفكير وعوائقه، معناه أن ننتشل أنفسنا من كهوف الزمن المعاصر، وأن نعي أن ما يبدو لنا بدهيا ليس كذلك دوما. التفكير، إصغاء لما يتوارى خلف ما يظهر، واكتشاف لما انسحب من أرض الحضور، منزويا في باحة خلفية منتظرا من يسمع صوته ويميزه عن همهمات الحشود، وينقذه من ركل أرجلهم وخبط اصطفافاتهم.
لم نعد أمام شكل واحد لمجاز “الكهف”، صرنا أمام مغارات عديدة، تقودنا إلى كهف يتراصُّ فيه: سيّافٌ، يقطر سلاحه مدادا، يصيح في آذان متأهبة للقول: سمعا وطاعة، وقُرصانٌ، يسيل لعابه للسّطو على “سفينة عزلاء”، يُشيرُ إلى صحْبه بالغزو والنهب. كهفُنا اليوم، أكْثر تعْقيدا من “كهْف أفلاطون”، وخاصة منْ جهة رُعَاتِه الذين يتعهّدون مُلاَزمِيه بالعِنايَة والرّعَايَة. 
التفكير اليوم، هو تخطٍّ للكلام عن التفكير، إلى التفكير فيما يجعل فعل التفكير ممتنعا أو متمنِّعا أو ممنوعا. ليس المراد في مقالنا اليوم، الحديث عن “الامتناع” عن التفكير، الذي هو اختيار طوعي، يتعزز بمختلف أشكال السطو على الأذهان -ببرمجتها برمجة قبلية- تَحملُهَا على استعذاب الكسل، واستحلاء الخمول. وليس المراد اليوم أيضا، التفكير في “تمنع التفكير” ومشاقّ الطريق إليه، وما يتكبّدهُ طلّابه من شقاءٍ وعناءٍ، وإنما غايتنا اليوم التفكير في “منع التفكير”، حينما يقترن بالتفكير في “الممنوع التفكير فيه”، والممنوع التفكير فيه اليوم يقترن أيما اقتران بأحدِ اثْنين: إما الدين، أوالسياسة، أو هما معا.
أينما ولّينا وجوهنا، نلفي الشيخ إيمانويل كانط أمامنا يُيَمِّمُ قبلتنا: “إنني أسمع من كل الجهات صوتا ينادي لا تفكروا”، فألا يوجد اليوم سيّد يقول، مَا قَالَه فريدريك الثاني زمنئذ: “فكروا كما تشاؤون، وفيما تريدون، ولكن أطيعوا”. لقد تأسس العقد الاجتماعي بوصفه ضمانة جماعية مبتكرة، لصيانة الحقوق الأساسية الموروثة عن الحالة البدئية (الطبيعة)، وعلى رأسها: الحرية. 
لقد انتبه سبينوزا إلى وجوب التمييز بين “تقنين السلوك (التصرف، الفعل)”، و”تقنين الفكر (الرأي، القول)”. تخلى الإنسان، بموجب العقد الاجتماعي عن حقه في أن يسلك كما يشاء، وأن يتّبع في “الفعل” قوانين الدولة، لكنه لم يفوّت حقه في التفكير وإبداء الرأي إلى القائمين عليها، وميّز كانط بين “الاستعمال العمومي للعقل”، و”الاستعمال الخاص للعقل” ملحّا على الحرية كشرط لازم للتفكير، أعني قوله باقتضاء التنوير لها. الحرية علامة على الرّشد الديموقراطي، ومؤشِّر على “صحة القوانين”، وبخاصة من جهة الحق في “الفعل” و”عدم الفعل” كذلك. إن عدم الفعل مادام صادرا عن إرادة حرة واعية، هو فعل أيضا.
يوميات: 1- منع حفل توقيع كتاب من طرف المجلس الجماعي بمراكش/ المغرب، 2- منع ندوة حول ذات الكتاب، واستصدار والي الجهة لمقرر قضائي، بسحب الكتاب من مكتبة للعموم. فما الذي “يحدث” فعلا؟
لنقرأ بإمعان، المسوغات التي ساقها السيّد والي جهة مراكش آسفي، في تقديم طلبه لاستئذان القانون في “حجز نسخ كتاب: “صحيح البخاري، نهاية أسطورة”. يتعلق الأمر وفقا للوارد في المقرر، بما تتضمنه “صفحاته (الكتاب) من مس بالأمن الروحي للمواطنين والمخالفة للثوابت الدينية المتفق عليها”، ولأن “الطلب مبرر بما يكفي قانونا” فقد تمّت الاستجابة له. حدثُ المنع، أثار جدلا واسعا، وغلبت عليه حرب الاصطفافات والانفعالات، لكننا في جمعية اتحاد أصدقاء الفلسفة، أردنا أن يكون “القرار” مناسبة للتفكير في معضلة الحرية، وما تتصل بها من إبهامات وإشكالات، يشتد تفاقمها كلّما ارتبطت بالديني والسياسي.
لن ننشغل كثيرا بتبيينِ الفروق الدقيقة والمفيدة، بين لفظتي: “الديني” و”الدين”، أو بين “السياسي” و”السياسة”، فحَسْبُنا هنَا الإشارة، إلى عميقِ رغبتنا في استعادة التفكير بشأن “الحرية بين الديني والسياسي”، عوضا عن الحديث عنها. والتفكير فيها، تفكير في أعراضها وأمراضها ومفارقاتها وهشاشتها خصوصا في المجتمعات المعتلة ديموقراطيا، لإصابتها بخلل على مستوى “الصحة القانونية ” أساسا، مع وجوب التمييز بين الحرية في “دلالتها الكيانية”، والحرية في “تعبيراتها الاجتماعية”، الشكل الأول لها يدخل في صميم إنسانية الإنسان، إنها هي هو وهو هي، لكن الشكل الثاني لها، يدخل في باب تنظيمها وحمايتها من نفسها، بيد أنه “لَيْسَ الخَوْفُ عَلَى الحرّية، كَمَا الخَوْفُ من الحرّية”، كما سبق للفيلسوف اللبناني ناصيف نصّار أنْ أوْضَح في “بابِ حرّيتِه”. شتّان ما بين الخوف من…والخوف على… من مسافات ومساحات.
التفكير في الحرية، هو امتحان لفعل التفكير نفسه، فيكون التفكير محط تفكيرٍ. أن نفكر في “أن نفكر في الحرية” – وهي التي يعتقد أنها قتلت بحثا وتفكيرا- معناه أن نختبر قدرتنا على الصمود أمام التثنية الكانطية الأصيلة، ونسائل شكل مساءلة التصور التعاقدي للدولة، وحدود تمثّل مفارقات القانون والحرية، فأين تنتهي سلطة الدولة فينا؟ وأين تبدأ سلطتنا علي أنفسنا؟ وهل للدولة/ القانون الحق في السيادة على عقولنا، ووضع حدود على ما ينبغي التفكير فيه، وما لا ينبغي التفكير في التفكير فيه؟ وإلى أي حد يمكن رسم حدود للتفكير باسم القانون؟ وهل كل ماهو قانوني عادل بالضرورة؟
إن التسويغ القانوني لمنع الحق في إصدار كتاب، يتضمن أفكارا، بَدَت في تقدير لجنة ما، بأنه يمس “أمنا روحيا” لمواطنين راشدين، مدعاة للتفكير حقا في الحرية، ليس بوصفها مفهوما ملتبسا فحسب، وإنما بوصفها مشكلة مستعصية على البلْعِ السريع. يبدو، أن القانون، وفقًا ل”فقهائه” ليس قيدا أمام حرية الإبداع، وإنما نبلُه في توسيع مساحته، فما الذي يعنيه قرار مسوغ بالقانون، يبيح الحضَر على التفكير، أو على الأقل منع “إصدار كتاب يهدد شيئا ما”؟ وما الدلالة الفلسفية والسياسية للحرية؟ وما معنى “الأمن الروحي”؟ وما دلالة تنصيب مؤسسة بعينها وصيّة على هذا الأمن ومرسِّمة لحدوده؟
أن نفكر (السبت القادم 24 مارس 2018) في “الحرية بين الديني والسياسي”، انطلاقا من “حدث” صرخ به الواقع المغربي، معناه أن نعي دلالة أن تقترن الفلسفة بالحاضر، دون أن يرهنها كليا، أن نلتقط الآني لمعالجة الاستراتيجي، وأن نخرج من واقعة المنع -المدانة كل الإدانة-، إلى طرح سؤال الحرية للتفكير والفهم والنقاش.
عبد الواحد ايت الزين
منسق أعمال

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.