OCP

جمعية اتحاد أصدقاء الفلسفة ببنجرير تصدر بلاغا دفاعا عن الفلسفة

0

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

بيـــــــــان
“كثيرا ما يكون هذا الرجل، داعية التقنية، ودودا خجولا في حياته اليومية، لكن ذهنيته، فهي بلا منازع، إرهابية”، عبد الله العروي، الإيديولوجيا العربية المعاصرة، المركز الثقافي العربي، طبعة 1995، ص 47-48.
تداول الرأي العام خبر “إلغاء” مادة الفلسفة، بعد التعديل الذي لحق وضعيتها في المنظومة التربوية المغربية، المعلن عنه في القرار الوزيري الصادر بالجريدة الرسمية عدد 6647. وقد جاء هذا القرار، في سياقٍ رسمي يتغذى على التباس الاختيارات الاستراتيجية، بشأن “مشكلة الأصالة والمعاصرة”، وما يتصل بها من ثنائيات غالبا ما تحمل اسم: الحداثة والتقليد، والذات والآخر، والعقل والنقل، نحن وهم، الخصوصي والكوني، والهوية والغيرية…إلخ، وهو ذات السيّاق الذي يسوغ غلبة المعالجة الظرفية للناتج عنها من إبهامات وغشاوات، والذي يترجم في الآن ذاته “الازدواجية والضبابية” (من جهة الرؤية، والمنطلقات، والغايات)، بشأن سؤال: “أي مدرسة نريد؟”.
إن الحكومة ومن خلال تكريس واقع “ازدواجية الخطاب والمواقف”، وافتعال مشاكل مجتمعية بإصدار قرارات آنية مدروسة، للتغطية عن تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمغاربة، لا تعمل سوى على تعزيز انقسام المجتمع بشأن موضوع “القيم والتربية”، لاعتبارات سياسوية محضة، والتشويش على التخوف الجماعي من مآلات التراجعات اللافتة للنظر في مجالات اجتماعية واقتصادية وسياسية شتى، ومن بينها التحضير للإجهاز على مجانية التعليم، وتمرير قرارات تؤثر سلبا على وضعية الأسر المغربية.
إن الجمعية، وهي تدرس هذا القرار، ترى أن صلب المشكل، لا يتعلق ب”وضعية تدريس مادة الفلسفة فحسب”، بل يتخطاها إلى “الارتجالية والمزاجية” التي تحكم النظام التربوي المغربي، وانعدام “الإرادة السياسية” للقيام بإصلاح حقيقي، يأخذ بعين اعتباره التحولات الهائلة التي يشهدها العالم المعاصر، والاهتداء بها في إصلاح أوضاع التعليم، وبالأخص ما تعلق منها بمراجعة الآليات والمضامين، والوضع الاعتباري للمدرسين، وتحقيق الانتقال من “مدرسة الحفظ” إلى “مدرسة التفكير”، ومن “مدرسة الحلول” إلى “مدرسة الاستشكال” (وبالتبعة، من منطق الجامع إلى منطق الجامعة)، وما يترب عن ذلك من مراجعات لنظام التقويم والتدريس وغيرهما، مع ضرورة الحذر من المعالجة “الوضعانية” التقنوية (التداوي بالأرقام) من ناحية، والاحتياط من الاستخفاف بالأدوار التي يمكن أن تضطلع بها العلوم الإنسانية في هذا الباب من ناحية ثانية.
إن الإعلان عن “إعادة الترتيب” الذي مس مادة الفلسفة في امتحانات الباكالوريا المهنية – وفقا لما ورد على لسان الناطق الرسمي للحكومة- واستشعار أن الأمر يتعلق ب”استهداف” للمادة، يجد مبرراته في “الردة الحقوقية”، التي ازدادت حدتها في المغرب خلال السنين الأخيرة، و”الخلفية المبهمة” التي تصدر عنها مثل هذه القرارات، وبخاصة من جهة استعداء العلوم الإنسانية من لدن القيّمين على الأمر (لنتذكر تصريح رئيس الحكومة السابق)، كما ينم الإعلان نفسه عن تطبيع مع “ظاهرة التطرف” التي استشرت بشكل لافت في أوصال المجتمع، وقد أظهر باحثون ضعف مناعة المتمدرسين في الشعب العلمية والتقنية والمهنية أمام “فيروس التطرف”، بسبب تسييد تصور يحط من شأن الآداب والإنسانيات، لصالح الإعلاء من قارة “العلوم والتقنيات”، وتغييب الوعي بالأرضية الابستمولوجية، والمنابع الإنسانية، والروافد النظرية، لما يُعتقد أنه “علمي خالص”. 
إن الأداتية، التي تجد منطلقاتها في “النزوع الآلي” للحقبة المعاصرة، لا يمكن إلا أن تقذف بنا في أحضان عالم بدون معنى، عالم الإنسان-الآلة، اعتقادا أن نموذج الإنسان/الكامل هو “المهني: المنتج، التقني…إلخ”، وهذا ما تعبر عنه الاختيارات التربوية الأخيرة، بما فيها الإيحاء بعدم أهمية الفلسفة (وغيرها) في تكوين “عقلية مهنية”.
لكل هذه الاعتبارات، تعلن جمعية اتحاد أصدقاء الفلسفة إلى عموم المتتبعين والمهتمين:
• وجوب ربط هذا القرار، بإفلاس مسلسل الإصلاح، وانعدام مؤشرات دالة على إمكانية استدراك ما فات، بما فيه حدود أجرأة الرؤية الاستراتيجية 2015/2030. وتقديم الاهتمام بالأرقام والتقارير، عوضا عن النزول إلى أرض الواقع، والوقوف الحقيقي على مواطن ضعف المدرسة المغربية لمحكوميتها ب”مشروع مجتمعي” غير واضح المعالم.
• استغراب الجمعية للاستخفاف المؤسسي بالعلوم الإنسانية عامة، واستنكارها لاستسهال اتخاذ قرارات تتعارض مع الاختيارات والتوافقات المجتمعية في حدودها الدنيا (مراجعة وضعية مادة الفلسفة أنموذجا). واستنكارها للتضييق المؤسسي الذي يطال المشتغلين بالفلسفة في المغرب عموما، وبإقليم الرحامنة خصوصا.
• القيام بإصلاحات حقيقية للمنظومة التربوية تتجاوز ثنائية الأصالة والمعاصرة، من حيث مأسسة تمكين المجتمع من خلق ذوات فاعلة، وذات إرادة مستقلة قادرة على الاختيار، وقادرة على حماية نفسها من كافة النزعات الانغلاقية (بمختلف تعبيراتها العقدية، والعرقية، والفكرية)، وتحصين ذاتها من كافة أشكال التفكير السلبي. وهو ما يستلزم تعزيز “روح الفلسفة وقيمها” في مختلف أسلاك التعليم ومراحله.
• توجيه الاهتمام إلى أهمية إدراج مبادئ التفكير الفلسفي في برنامج تكوين مدرسي المواد الأخرى، بما يتيح للجميع الوعي بحدود ادعاء أي “علم” امتلاك حقيقة الوجود والعالم. ترى الجمعية أنه من المهم العمل بآليات الفلسفة وأدواتها وقيمها في مختلف المواد والمعارف الأخرى، وهو ما يتطلب تكوينا خاصا، للتحرر من “الرداءة الممأسسة”، التي تجني المنظومة ثمارها عند كل إعلان عن تقارير وطنية ودولية بشأن واقع الحال والمآل.
• تخوف الجمعية من الواقع الذي أمست عليه المدرسة المغربية، وما تتخبط فيه من إشكالات بنيوية، بما فيها حال مادة الفلسفة، التي لا يمكن بأي حال من الأحوال، القول بأنها تؤدي وظائفها اليوم، في ظل “الأزمة” التي يشهدها واقع تدريسها، وتكالب بعض أهلها ضد قيمها.
• المطالبة بمراجعة القرار الصادرة بالجريدة الرسمية عدد 6647، بالنظر إلى افتقاده للشرعية القانونية والتربوية.
• دعوة كافة الهيئات والجمعيات الفلسفة وذات الطابع الفلسفي، إلى التفكير في توحيد الجهود وخلق “رابطة وطنية”، لتقوية المرافعة عن الحق في الفلسفة باعتبارها حقا كونيا متأصلا.
• عزم الجمعية تنظيم مبادرات في حدود إمكانياتها، لتعزيز حضور الفلسفة، وتوسيع مجال نقاشاتها لتشمل كل الفاعلين الديموقراطيين، واعتبارها الاشتغال في الفضاء العام، إمكانية مفيدة، لتوضيح الخلفيات التي تحكم الموجة الرسمية الجديدة ضد الفلسفة والعلوم الإنسانية. ودعوتها كافة المعنيين إلى تنظيم مناظرة وطنية في موضوع “تدريس الفلسفة بالمغرب: (التعليم الثانوي والتعليم الجامعي”).
عن المكتب المسير

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.