شاب رحماني يحكي عن مشاهداته بالريف
الزيتوني الهلالي
ساعة قبل أذان المغرب ، ولا أثر للأجواء الرمضانية بالمدينة ….
أصابتني الدهشة من العدد الكبير لقوات الشرطة، بلباس رسمي وغير رسمي وقوات بلباس عسكري وسيارات بيضاء اللون وأخرى زرقاء وشاحنة لضخ المياه وسيارات الإسعاف بأحجام مختلفة …
إنزال أمني رهيب بجميع الشوارع والأحياء حركة غير عادية وصافرات سيارات الشرطة تجوب الشوارع بسرعة جيئة وذهابا، أبحث يمينا ويسارا عمن تطارد دون أن يظهر أثر لأي شخص يهرب منها…
وسط المدينة وحول الميدان، أغلب المتاجر مغلقة ….
بدا رجال االأمن أكثر عددا من المدنين لأن سكان المدينة انصرفوا لتناول وجبة الإفطار…
حضور قوات التدخل السريع ،بكثافة ،بلباسهم العسكري، الذي يذكر شكله بالحرب، جعلني أشعر ببعض الندم على إقدامي على هذه الرحلة الشاقة والمحفوفة بالمخاطر …
الوضع يشير أن حربا ستدور رحاها مباشرة بعد صلاة التراويح …
لأني أعرف ما يخلفه الشغب من دمار بالشوارع ومرافقه (مدينة الداخلة كمثال) لاحظت أن المدينة جميلة عكس توقاعاتي ،مدينة بدون أزبال أو نوافذ مكسرة أو زجاج محلات مخلوع أو أثر لخدش حجارة أصابت جدارا رمتها به يد ثائر ..
في العاشرة مساء ،انطلقت وقفة ما بعد صلاة التراويح بحي سيدي عابد فتم تطويق مخارج ومداخل الحي بالكامل ..الدخول أو الخروج من وإلى ساحة الوقفة من المستحيلات السبع .. لتبدأ عملية الكر والفر بين الأمن ومجموعات من الشباب تحاول الإنضمام لأصدقائهم ..منعهم من ذلك يدفع بعضهم لكيل الشتائم لرجال الأمن ..فيأتي الرد بالركل والرفس ..في الجهة الجنوبية لحي سيدي عابد رد بعض الشباب على منعهم برشق للحجارة لم يدم طويلا ..
حضور وسائل إعلام خارج ساحة الوقفة صورت فقط صراع الأمن مع من تم منعهم من الوصول الى مكان الوقفة.
بطريقة ما استطعت الدخول الى مكان الوقفة ؛ساعدتني لكنتي غالبا ؛فوجدت نفسي وسط حشد غفير من الثوار ..أحسست بأن رجلي لم تعد قادرتان على حملي فللمشهد هيبة تصيب بالرهبة .. الهتاف أعادني إلى أجواء ثورة 20فبراير ..صور الزفزافي ملأت المكان ..غياب العلم الوطني كالعادة .. خطباء الوقفة يرددون مطالبهم : لا لعسكرة الريف..وإطلاق سراح الزفزافي وجلول وباقي المعتقلين السياسيين والمطالب الاجتماعية التي يتبناها الحراك ..لا أثر لأي خطاب انفصالي ..لكن هناك اتهام للدولة بالقمع وتخوين حراك الريف.. حظور مكثف لوسائل إعلام إلكترونية تتابع الحدث ..
تأطير الوقفة يتم بشكل يجعلك تحترم من يقف بها رغما عنك ..إشارة واحدة تجعل الجميع يصمت ..إشارة أخرى تنطلق الحناجر بالهتاف ..أوركسترا عالمية ..تؤدي إحدى روائعها.
في تمام الساعة الحادية عشر ليلا انتهت الوقفة ..لم يكن للأمن دور في انتهاءها ..بل أنهاها الثوار بمحض إرادتهم ..في أقل من نصف ساعة اختفت الحشود وكأن الأرض ابتلعت الجميع ..لم يبق في الساحة سوى شباب تكلفوا بتنظيف الساحة بالماء و”الكراطة”. ..الضجيج انقلب الى سكون تام ..بعدها بدقائق بدأت قوات الأمن انسحابها تحث تصفيق بعض الأهالي ..كانت رسالة التصفيق أننا لسنا في حاجة لخدماتكم وارحلوا “باي باي مع السلامة”..
في الساعة الثانية عشر ليلا ..لم يبق في شوارع المدينة سوى رجال الأمن وقد غابت نرفزتهم التي أحسست بها قبل أذان المغرب ..انتشر أغلبهم عبر الشوارع للبحث عن دكاكين تبقالت على ندرتها لتأمين وجبة سحور لهم وأظن أن الدعوة لإغلاق المتاجر لها علاقة بحاجة رجال الأمن لها ..(مجرد تخمين)
في الجانب الآخر من المدينة ..عند مدخل إمزورن ..وقفة ثانية بحجم أقل عددا حوالي مائة مناضل أو أكثر قليلا .. يطوقهم رجال من قوات التدخل السريع يكاد يكونون بنفس عددهم.. خطيب الوقفة شاب صغير السن لكنه يجيد الحديث باللغة العربية بشكل مثير ..اتهامه الدولة بالقمع وتدنيس العلم الوطني في موازين واحتقاره لإعلام العار جعلني أدرك أن للزفزافي تأثير قوي عليه خصوصا عندما اقترب أكثر من عميد شرطة وأخبره أن العساكر ومن معه أخطؤوا العنوان حينما قدموا للريف لحصار شعب يطالب بالعيش الكريم وأن عددهم كاف ليذهبوا صوب سبتة ومليلة والجزر ..
في هذه الوقفة كان الشعار الأكثر ترديدا هو “قتلوهوم عدموهوم ..ولاد الشعب يخلفوهوم” في إشارة للمعتقلين السياسين .. وللأمانة فالخلف أنضج وأفصح ممن يربد الآن بالسجون ..
أخذتني الحماسة ..فشاركت بكلمة قصيرة وجهت التحية من خلالها للأحرار من أبناء الريف والوطن فحصلت على تصفيق لمدة أطول سيظل صوته راسخا في أذني الى أن أرحل عن هذه الحياة.