الاستاذ خالد جبور يعيد كتابة أفكار طوماس دو كونيـنـك بلغة الضاد: لِــمَ تصلُـحُ الفلسفةُ ؟
فور تنمية: خالد جبور
طوماس دو كونيـنـك : لِمَ تصلُحُ الفلسفة؟ (مقتطف منه)
سعـيـُنا إلى معرفةِ إنْ كان التّـفـلسـفُ ضروريا أم لا معناهُ أنّـنا نتفـلسفُ فعلا، إذ في هذا السعي بحثٌ واستكشاف، زِدْ على ذلك أنّـنا سُرعان ما نتبيّنُ أنّ حتى مُحاجَّتَنا ضِدّ الفلسفةِ هي الفلسفةُ عينُها، وأرسطو قد أبكَـرَ في تنبيهنا إلى ذلك. إنّنا بهذه المُحاجّةِ نتطلّعُ إلى كشفِ حقيقة من الحقائق، وإلاّ ما كانت في الأصل مُحاجّة. فأنْ تُـقَـدِّمَ الحُجَجَ ضِدَّ الفلسفةِ معناهُ أنّـك تطرحُ رأيا أسّستَه بعد فحصٍ ونظرٍ سواء باستغراق أم بعجالة، وأنت بذلك تتوخّى رؤية صائبة هي سبيلُـك إلى إعلان خطإِ الآراءِ المناقضةِ لرأيِـك. وعليه، فأنت تشترك مع من يخالفُـكَ الرأيَ على الأقل في خاصية هيَ في الواقع خاصية أساس: إنّها الاستعانة بالحقيقة – أو ما شابَهَ الحقيقة إذا كنت سفسطائيا- وهذه الاستعانةُ إنما تتجلى في كلامِك ومَواقِـفِـك.
إنّ مَـنْ يدّعي ألاَّ أهميةَ لأيّ شيء كائنا ما كان، وأنْ لا وجودَ البتّة لأيةِ قِـيَـم أخلاقية ولا لأية حقيقة هو مجبورٌ بحكم الضرورة على أنْ يعتمدَ [في ادّعائه هذا] على “سلطةٍ ” ما تتجاوزُهُ. وهكذا فالقول ” إنّ كلَّ شيء خاطئٌ” أو ” لا شيء صحيح” أو ” كلّ شيء نسبي” هي أقاويل متداخلة لا انفصال بينها، بل هي أقاويل يُقوّض بعضها بعضا.
وهذا السعيُ إلى تكوينِ رؤيةٍ – كيفما كانت – يَـفـترضُ وجودَ نطاقٍ فيهِ المعرفةُ والفعلُ ممكنان. ففي الاختلاف الحاصل في الآراء والأحكام إفصاحٌ عن الانهمام بتحديد الصواب والخطإ وتعبيرٌ عنِ ابتغاءِ الوضوحِ والوعي، ولا مندوحة في القول هنا إنّ بين الأطراف المُتجادلة هدفا واحدا يجمعُهُــم.
هنا يظهر المعنى الأصلي والأصيل للحوار والجدل باعتبارهما المَعْبَرَ نحو الحكمة (SOPHIA). والنتيجة: ” كائنا م\ا كان الحال، علينا أن نتفلسفَ” (أرسطو)، و ” الهزء بالفلسفة إنما هو- كما ذهب إلى ذلك باسكال- تفلسفٌ محض.”
وزبدة القول: لا مناص من التفلسف حتى إنْ لم يكن لنا من الفلسفةِ نصيب.
مقدمة كتاب « A QUOI SERT LA PHILOSPHIE ? » :لـــ Thomas De Koninck منشورات Presses de l’Université Laval ، 2015.